الدكتور يوسف السعيدي
يعد مفهوم المواطنة من أعقد المفاهيم وأكثرها التباسا على الشعوب في الدول العربية، وقد يكون ذلك بسبب أنه مصطلح نشأ وتطور في دائرة الحضارة الغربية تم تأصيله حتى يعبر عن ما يحمله من مضمون، وبحسب برنارد لويس فلا يوجد كلمةcitizen"" «مواطن» في اللغة العربية وإنما يوجد مصطلح مقابل لها يستخدم بمعنى ابن البلد وهي كلمة تخلو بدرجة كبيرة من أية مضامين أو إيحاءات لكلمة citizen"" «مواطن» الانجليزية التي تنحدر من أصول لاتينية وإغريقية وتعني الفرد الذي يشارك في الشؤون المدنية ويرجع سبب غياب كلمة «مواطن» في اللغة العربية إلى غياب فكرة المواطن كمشارك وفكرة المواطنة كعملية مشاركة، ولعل انعدام أسس المواطنة من المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من جانب والمساواة بين جميع المواطنين من جانب آخر حالت دون ترسيخ ذلك المفهوم وتطبيقه على أرض الواقع.وقد أثرت الأنظمة السلطوية والاستبدادية وحالت دون ترسيخه حيث أنه يصاغ بتعابير قانونية مثل التبعية وتتساوى المواطنة فيها على كافة الجوانب مع مصطلح الرعية مما أدى إلى عدم حضور المساواة القانونية كسمة من سمات الأنظمة العربية التقليدية، وغالباً ما انحسر معنى المواطنة في ذهن القائل والسامع بأتباع لقادة أو رعايا سلطان مما أدى إلى ارتباط المواطنة بإظهار الولاء للحكام وإثبات الانتماء للوطن وذلك يعني إفراغ المواطنة من مضمونها واستبدال مظاهر المشاركة والمساواة بالمظاهر الوطنية.وذلك نتيجة ازدواجية المفاهيم والتباسها وعدم التفريق بين الوطنية و المواطنة فتوظف واحدة مكان الأخرىفالوطنية تعني أن يكون المواطن مع وطنه في محنته كما كان وطنه معه في سرائه, وهي عاطفة تجاه الوطن ولا تظهر بصورة جلية إلا عندما تتعرض الأوطان إلى المحن والحروب والجوائح والأوباء والأزمات الاقتصادية.تبقى الوطنية مسألة ذات أهمية مركزيه في العمل المشترك يبن جميع المواطنين من اجل النهضة الحضارية ومن اجل تحقيق الاندماج الوطني وبناء الدولة باعتبارها مستقلة عمن يحكمها وهي طوق نجاة كلما حاقت بالإنسان والأوطان الأزمات المدمرة.إما المواطنة فهي تحالف وتضامن بين أناس أحرار متساويين في القرار والدور والمكانة وهي تنبع من رفضهم التمييز فيما بينهم على مستوى درجة مواطنتيهم وأهليتهم لممارسة حقوقهم بغض النظر عن درجة إيمانهم التي لا يمكن قياسها.إن كل مواطن يأخذ جذره من الوطن الذي يمنح المنتمي إليه الإقامة والحماية والتعليم الاستشفاء والحرية وحق الحكم والتوجيه والمشاركة وكل الحقوق التي يتيحها الوطن للمواطن, بالمواطنة يلتقي المفهوم الأسمى للمواطن بالمفهوم الأسمى للإنسان لتصبح المواطنة إنسانيه مضافاً إليها التعلق بشخص آخر يشاركه الوطن ويقتسم معه مضامين الوطن والمواطن على أساس العدل المساواة والذي ترتكز عليه فكرة المواطنة.إن سعي الإنسان من أجل المواطنة هو سعي من أجل قيم الإنصاف و العدل والمساواة والذي يعبر عن فطرة إنسانية وهو أقدم من عصر الدولة المدنية التي حالت القوة الغاشمة ومازالت تحول دون الوصول إليه، فقد خلق الله الناس متساويين فدفعهم الجشع إلى استعباد القوي منهم الضعيف، وقد استمر الصراع على مدى العصور من أجل تحقيق الإنسان لذاته والمطالبة بحق الشراكة في الطيبات وحق المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات، ومن هنا فإن تاريخ مبدأ المواطنة هو تاريخ سعي الإنسان من أجل الإنصاف والعدل والمساواة.ولإنسانية المواطنة يبقى مضمونها أعم و أشمل من مفهوم الوطنية مع أهمية الأخرى، وكلا المسألتين تقود إلى الأخرى فلا يمكن أن تكمل وطنية أفراد بلد ما من دون مشاركتهم فيه كما لا يمكن أن تتحقق المواطنة من دون درجة من الانتماء لدى أبناء الوطن، وربما تبني الوطنية مواطنة لكن من المؤكد أن تبني المواطنة وطنيةً.ولذلك ينبغي أن يكون مبدأ المواطنة منطلق من وجود فهم شامل و قناعة فكرية وقبول نفسي لدى أبناء الوطن الواحد يتمثل في التوافق المجتمعي على ذلك المبدأ واعتبار المواطنة وليس شيء آخر عداها هي مصدر الحقوق ومناط الواجبات بالنسبة لكل من يحمل جنسية الدولة دون تمييز ديني أو مذهبي أو عرقي.اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha
