ما جرى خلال الأيام الاثني عشر الماضية لم يكن مجرد حدث عابر في مشهد الشرق الأوسط بل هزة سياسية وعسكرية وأمنية تركت أثرها على طاولة صناع القرار في الغرب وعلى وجوه الحلفاء وعلى لسان المطبعين قبل غيرهم .
إيران تلك الدولة التي كثيراً ما وُصفت بأنها “محاصرة ومعزولة” قلبت المعادلة لا بصرخة بل بالفعل لا بالشعار بل بالرسالة الواضحة: لا تستهينوا بالصبر ، ولا تستهينوا بوعدٍ وُضع على طريق ذات الشوكة .
منذ سنوات وإيران تردد أن “القدس هدف” لا بالشعار بل بالعقيدة .
لم تصرخ كثيراً بل اشتغلت بصمت صنعت نفوذها دعمت حلفاءها ووضعت نفسها في موقع لا يمكن تجاوزه .
البعض استهزأ البعض أنكر البعض راهن على سقوطها من الداخل أو على انقلاب المعادلات من الخارج لكن ما حدث خلال الاثني عشر يوماً الأخيرة صدم هؤلاء جميعاً ليس فقط بردِّ الفعل بل بامتلاك القرار .
إيران التي خرجت من حرب الثمانينات بجراحٍ لكنها وقفت والتي واجهت عقوبات الغرب لأكثر من أربعة عقود ، لم تبدُ يوماً دولة ضعيفة .
واليوم ، ها هي تُثبت أنها ليست مجرد “فاعل” بل مركز ثقل إقليمي يستطيع أن يغيّر شكل الميدان إن أراد وأن يفرض معادلات جديدة متى ما قرر أن لحظة الرد قد حانت .
ليس من المبالغة القول إن هناك حالة من الذهول في عواصم القرار .
إسرائيل تفاجأت رغم كل أجهزتها ، بسرعة الرد ومرونته وتوقيته .
الدول الغربية التي ظنت أن سنوات العزلة ستنهك طهران ، أدركت أن ما يُبنى بهدوء في الكواليس ، قد يكون أقوى مما يُعرض في الإعلام .
أما بعض الدول العربية التي طبّعت باسم السلام والاستقرار ، فقد وجدت نفسها أمام مشهد لا يُفسر بسهولة: دولة تقول ما تفعل ، وتفعل ما تعِد .
حتى الداخل الإيراني ورغم تعقيدات السياسة والاقتصاد ، وقف على قلب واحد .
اللحظة كانت أكبر من الخلافات ، والهدف كان أوضح من أن يضيع في زحمة التفاصيل .
هناك شعور واضح بأن إيران تمرّ بمرحلة إعادة تثبيت للمكانة ، لا دفاع عن البقاء .
نعم إيران لا تزال تقول إنها ستصلي في القدس .
وقد يراها البعض عبارة رمزية ، لكن كل يوم يمر يثبت أن هذا الوعد ليس مجرد شعار ، بل هو مسار تعمل عليه ، بكل أدواتها وصبرها وشبكة تحالفاتها .
ومن كان يعتقد أن الأمر لا يتجاوز حدود الكلام فالأيام الأخيرة كفيلة بأن تُعيد له حساباته .
https://telegram.me/buratha
