بقلم نهاد الزركاني
في عالم تتلاطم فيه أمواج المادية، ويعلو فيه صخب الأصوات التي تنفي المعنى، يظل السؤال الوجودي حاضرًا: من أنا؟ وما رسالتي؟......
جاء خاتم الأنبياء ( ص وله ) ، ليس ليخاطب العقل وحده، بل ليوقظ القلب، ويهبه الضوء، ليُرشد الإنسان إلى ذاته وإلى الكون، إلى حياة تحمل المسؤولية والرحمة والعدل.
ولم تكن رسالته (ص وله ) مجرد خطابٍ يخاطب العقل، بل كانت كريح الصَّبا العليا التي تهبُّ على رمال الصحراء الساكنة؛ فتتحرك الكثبان الجامدة، ويتشكل المشهد من جديد. هكذا كان قلبه (ص وله ) يهبُّ على رمال النفوس القاحلة، فيحرك في أعماقها سكونَها، ويبعث فيها الحياةَ والحساسيةَ والجمال. كان يرى الجماد الإنسانيّ فيعود إليه الوعي، ويبصر القسوة فترقّ لها المشاعر، ويلمس الجفاف فينبع منه الينبوع.
لم يبنِ أمةً من الخارج فحسب، بل بنى من الداخل.......
حرَّك أمواجَ الرمال في أعماق الإنسان، فلم يعد ذلك الكائنَ المحدودَ بهمومه، بل أصبح كيانًا رساليًا تتلاطم فيه مشاعر الرحمة بالعالمين، وتتوهج فيه همة تغيير العالم من حوله.
في زمن كانت الأصنام فيه لكل قبيلة وجه ولكل هوى اسم، أعلن النبي (ص وله ): إله واحد، رب واحد، وحدة لا تقبل التجزئة. لم يكن رفضًا للحجر فحسب، بل دعوة للإنسان ليجمع شتات قلبه وعقله، ويجد مركزه الذي يراه بعيدًا في ضوضاء العالم.
واليوم، وإن اختفت الأصنام الملموسة، ظهرت أصنام أخرى أخفى وأقسى: المال الذي يملأ اليد ويفرغ الروح، الشهرة التي تصم الأذن وتغلق القلب، القوة التي تضلّل العقل وتطفئ الرحمة، والأيديولوجيات التي تبعد عن الحقيقة باسم الحقيقة.
الإنسان الرسالي هو من يعود إلى أصل فطرته: وجهته الله، قوته الله، معناه الله. حينها يتحرر من عبودية الزيف، ويصبح وجوده شهادة على أن الخير ممكن، ووحدة الوجود ليست حلمًا، بل حقيقة يمكن أن يعيشها.
لكي نكون صدى صادقًا لرسالة الخاتم (ص وله )، علينا أن نكون قدوةً في أفعالنا، نربط بين العقل والروح، ونعيد تعريف الرحمة كما قال ص وله :
((إنما بُعثت رحمة))
في عالم مضطرب، نحن بحاجة إلى إنسان يحوّل القيم إلى حياة، والإيمان إلى فعل، والرحمة إلى نور يضيء الطريق للآخرين. حينها لن يكون الدين مجرد فكرة، بل تجربة، ولن يكون الإنسان مجرد كائن يبحث عن ذاته، بل شاهدًا حيًا على أن الخير والعدل والرحمة ممكنون، وأن روح الإنسان قادرة على أن تسمو فوق كل أصنام العصر.
https://telegram.me/buratha
