المقالات

صفر ١١ هـ:اليوم الذي جعل التاريخ يعيش فينا

1355 2022-09-25

د. علي المؤمن ||

 

   في ٢٨ صفر ١١ هج (٥ حزيران/ يونيو ٦٣٢م)، تغير وجه الإسلام، رغم احتفاظه بجوهره، إذ لم يكن مجرد يوم شهد واقعة وفاة الرسول محمد وحسب، بل شهد التحول الأهم في تاريخ المسلمين، وهو التحول الذي نتج عنه كل مسارات الانحراف والانشقاق والابتلاء فيما بعد؛ الأمر الذي جعل المسلمين يعيشون تبعات وقائع هذا اليوم وآثارها الى ما لانهاية، أحبّوا ذلك أو كرهوه.

   في مثل هذا اليوم قبل ١٤٣٣ سنة، حدث ما يلي:

   ١- توفي نبي الإسلام محمد بن عبد الله، وانقطع الوحي، وانتهت مرحلة النبوة في واقع البشرية الى الأبد، وبدأ واقع جديد على مستوى الشريعة الإسلامية والدولة الإسلامية ومجتمع المسلمين.

   ٢- بدأت إمامة علي بن ابي طالب للأمة، وفق وصية رسول الله. ولكن؛ تزامن ذلك مع سلب جزء منهم من مهام الإمامة العامة، وهي مهام الإمامة السياسية، والتي تعارف المسلمون على تسميتها ب "الخلافة"، بمعنى خلافة رسول الله. إلّا أنّ سلب هذا الجزء من مسؤولية الإمامة، لايعني أن الإمام عليّا لم يكن الإمام الديني والزمني بعد رسول الله بلا فصل، بل أن إمامته تحققت حال وفاة رسول الله، رغم أنه لم يكن قادرا على تفعيل الجانب السياسي السلطوي الدنيوي من الإمامة العامة.

   ٣- بايع عامة المسلمين أبا بكر خليفةً لرسول الله، وتحديداً في الجزء السياسي السلطوي للخلافة، أي القيادة السياسية للمسلمين والرئاسة الفعلية للدولة الإسلامية. وجرت فصول التنصيب في سقيفة بني ساعدة، وهي السقيفة التي شهدت وضع حجر الأساس لانشقاق المسلمين.

   ٤- انشق المسلمون الى شيعة وسنة، أو بكلمة أدق الى شيعة آل البيت وسنة الخلفاء، فالشيعة هم شيعة علي وآل البيت، الذين يعتقدون أن الوصاية والولاية والإمامة العامة وخلافة الرسول هي منصب واحد يرتبط بالتقدير الإلهي، ولايرتبط باختيار البشر، شأنه شأن منصب النبوة، أي أن الوصاية والخلافة والإمامة والولاية هي توصيفات لحقيقة واحدة ومنصب واحد، ولايمكن تفكيكها، وأن هذا المنصب هو من اختصاص الذين أوصى بهم النبي محمد، وهم علي بن أبي طالب من بعده، ثم أبناء علي وفاطمة حصراً، وأن سنّة أئمة آل البيت هي امتداد لسنّة الرسول، وتنشأ قدسيتها من قدسية سنّة الرسول، أي أنها قدسية دينية وليست سياسية أو سلطوية.

   أما السنة فهم شيعة الخلفاء، أي الذين اتبعوا سنّة الخلفاء الحاكمين، واعتقدوا أن سياق اختيار أبي بكر لخلافة رسول الله هو سياق شرعي وطبيعي، وهكذا من جاء من بعده، بمن فيهم خلفاء بني أمية وبني العباس، وان سنّة الخلفاء الأربعة وسيرتهم، وكذا الصحابة، هي مقدسة كسنّة رسول الله؛ فجميع الصحابة عدول، وإن ذبحوا بعضهم، وفعلوا ما فعلوا.

   ٥- تم وضع قاعدة الفصل بين القيادة الدينية والقيادة السياسية، أي بين الإمامة الدينية من جهة وخلافة السلطة من جهة أخرى، وهو فصل لم يكن موجوداً على عهد رسول الله، الذي كان قائداً دينياً ودنيوياً، والذي أراد أن تبقى القيادة من بعده موحدة في جانبيها الديني والدنيوي، في وصيّه علي بن أبي طالب، وعنوانها الإمامة، والتي تدخل الخلافة جزءاً من مهامها.

  ٦- تم وضع حجر الأساس لمسيرة محنة آل بيت النبي، بدءاً بمحنة وصيّه علي وابنته فاطمة، ثم محنة سبطيه الحسن والحسين، وبعدهما محن أحفاده أئمة آل البيت وأبنائهم وذراريهم وأتباعهم.

   وبالتالي؛ مخطئ من يعتقد ان الحديث عن وقائع هذا اليوم هو اجترار للتاريخ وإصرار على التمسك بالماضي، بل أن هذا اليوم لايزال حاضراً، وسيظل، في واقع المسلمين وأفكارهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم ونظرتهم لبعض، رغماً عنهم، أحبوا ذلك أو كرهوا. وأوضح مشهد على هذه الحقيقة، هو ما ظلت تتعرض له شريحة واسعة من المسلمين، هم "شيعة آل البيت"، من ظلم واضطهاد وتهميش، وهو مشهد لايزال حاضراً بقوة، وهو من افرازات يوم ٢٨ صفر ١١ هج.

 

ــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك