المقالات

الخطابُ الإلهي وحرية التعبير(2)

1542 2021-11-23

  د.أمل الأسدي ||   🔴الأنموذج الثاني: حوار النبي إبراهيم (عليه السلام)مع الله تعالی: ومن  المشاهدِ الأخری الدالةِ علی حريةِ التعبيرِ، حوارُ النبيِّ إبراهيم (عليه السلام).في قوله تعالی:((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) سورة البقرة،الآية 260 ، فنلاحظ  الاستماعَ إلی الرأي والاستجابةَ للطلبِ والمحاورةَ مع النبي إبراهيم علی الرغم من أنّ المفروضَ أن يكونَ  الإيمانُ أوالاطمئنانُ أمرًا مفروغًا منه بالنسبةِ للنبيّ إبراهيم  الذي اصطفاهُ اللهُ ليكونَ خليلًا له، وبعيدًا عن دوافعِ النبيِّ إبراهيم التي حركتهُ للسؤالِ، سواءً إن كانت إرادةُ اللهِ في جعلهِ جزءا من بيانِ قدرتهِ تعالی وشاهدا عليها، أم هو نتيجةً لموقفٍ  آنيٍّ عاشهُ النبيُّ إبراهيم بعد قصته مع النمرود،يبقی  هذا الحوارُ درسًا فريدا في حريةِ التعبيرِ عما يجولُ في الخاطرِ، حريةٍ مصحوبةٍ  بتقديرِ الذاتِ المتكلمةِ، وهذا ما لحظناهُ في حوارِ الملائكةِ أيضا، وهو  أمرٌ في غايةِ الأهميةِ، إذ يعلِّمُنا اللهُ تعالی أن نرفعَ  رؤوسَنا ونخاطبَ ونبسطَ حجتَنا،ونستفهمَ ونستدلَ،ولا نسلِّمَ لرأي ما من دونِ حجةٍ وقناعةٍ. 🔴الأنموذج الثالث: حوار الله تعالی مع النبي موسی(عليه السلام) ثم ننتقلُ الی مشهدٍ حواريٍّ قرآنيٍّ آخر، ألا وهو  حوارُ النبيِّ موسی(عليه السلام) مع ربِّ العزةِ والجلالةِ:(( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ ۞ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى۞وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ ۞ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ۞ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ ۞فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ ۞وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ ۞ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ ۞قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ ۞ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ ۞قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ ۞ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ ۞ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ۞ اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ۞ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ۞وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ۞وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ۞ يَفْقَهُوا قَوْلِي ۞وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي ۞ هَارُونَ أَخِي ۞اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ۞وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ۞كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ۞ وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ۞ إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ۞ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ۞وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ )) سورة طه: الآيات :١١-٣٧  جسّدتْ هذه الآياتُ مشهدًا حواريا عجيبا،كيف لا  والمحاوِرُ هو الباري عزّ وجل، الذي بدأ خطابَهُ بسياقٍ فخمٍ مؤكدٍ ( إني ، أنا، ربكَ) ثم أمرهُ فورا بـ خلعِ نعلِه(فاخلع نعليك) إنك بالوادي المقدس (طوی) فهنا المشهدُ رهيبٌ وعظيمٌ، صادرٌ من  الجهةِ العليا الی الدنيا، رسالةٌ وحوارٌ مباشرٌ تضّمن مجموعةً من الآوامرِ الربانيةِ:(استمع، أطع، اعبد، أقم...)، ثم تحوّلَ الخطابُ من العظمةِ والرهبةِ إلی اللينِ:(وما تلك بيمينك ياموسی) فردّ عليه النبيُّ مفصِّلًا:( عصاي، أتوكأ عليها،أهش بها، ولي فيها مآرب أخری) فجاءه الأمرُ بإلقائِها، فألقاها، فإذا هي حيةٌ تسعی، فسكّنَ اللهُ روعَهُ وثبّتهُ وواصلَ الحوارَ معهُ كاشفًا عن الرسالةِ أو التكليفِ المناطِ بهِ، وعلی الرغمِ من رهبةِ الموقفِ وجلالهِ إلاّ أنَّ النبيَّ موسی (عليه السلام) أخذَ كفايتَهُ من الحديثِ وعبّرَ عمّا في داخلِهِ وطلبَ مجموعةً من الأمورِ، وطلبها بشكلٍ متعاقِبٍ ومتسلسلٍ، ولم يُخفِ ولم يَخفْ ولم يِضمِر  شيئا :(اشرح لي صدري،احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، اجعل لي وزيرا،من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري،أشركه في أمري)، فيستمع المولی لحديثهِ و يستجيبُ لطلباتِهِ كلِّها، فأيةُّ حريةٍ تلك؟!!  وأيةُّ تربيةٍ؟!!  وأيُّ منهاجٍ عظيمٍ يرسمهُ اللهُ لنا، يربّي الإنسانَ علی الاعتزازِ بذاتِهِ، والإيمانِ بحريتِهِ،حريةٍ فكريةٍ تامةٍ، فحتی حين كان الحوارُ في حضرةِ المَلِكِ الجبّارِ، وكان حوارا تكليفيا رساليا، كانت حريةُ التعبيرِ حاضرةً بقوتِها، والاستماعُ والاسيتعابُ حاضرينِ  علی أتمِّ صورةٍ!!   التتمة في الجزء الثالث
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك