المقالات

العيد في زمن كورونا ..  

1802 2020-05-23

حسين فرحان ||

 

 

ما تزال الذاكرة العراقية تحتفظ بتفاصيل لأعياد مرت عليها وقد ارتدى المجتمع فيها ثوب الأسى لحوادث وقعت فخلفت في النفس حزنا لم تصمد أمامه فرحة العيد لتعم كما ينبغي لها أو تستثني من يحلو لها استثنائهم، ولولا الطفولة التي تمظهرت بها أعيادنا لم نكن لنشعر به نحن الكبار في ظل ظروف لم يكن للراحة فيها نصيبا ..

أعياد كثيرة مضت في سنوات تخللتها الحروب والمحن والحصار والإحتلال والفتن الطائفية وهجمات التكفير وغزوة الدواعش وفساد الأنظمة الحاكمة، والشعب لايرى سوى غمامة سوداء تحجب عنه صورة مستقبله، فلم يخلو عيد من صوائح ونوائح أو وجوم من هلع، أوحزن في دار فقدت أحبتها ..

العيد فرحة المؤمن بأداء الفرض، وفرحة الصغير بثوب جديد أو بعيدية الأقارب .. وفرحة - ربما - يصطنعها الكبار تسلية للنفس وابتعاد عن الأسى إذ أن كل ما بالعراق من هموم يظهره العيد بشكل كآبة انفعالية يعترضها الكبت الشديد لمشاعر الحزن والتستر بمشاعر مغايرة لتورد في الأذهان سؤالا اختلفت صيغته واتفق على معناه، وقد جسده المتنبي بقوله :

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ

فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ

العيد في هذا العام حل في زمن تفشى فيه الوباء بل الجائحة التي غزت الأرض فجعلت الأنسان في العالم عموما وفي العراق خصوصا - في أغلب وقته - حلسا من أحلاس داره - يتقي بالقعود شرها وعدواها وحجرها وبلواها ..

فلم يخرج إلا لضرورة وقد ترك مادون ذلك فيجلس لساعات أمام الشاشات وهو يطيل النظر إلى الأرقام والإحصائيات في الموقف الوبائي اليومي الذي يشبه البورصات العالمية مع الفارق بأن هذه لحياة الناس وما يقابلها من موت، وتلك لأموالهم في معادلات الربح والخسارة .

من المفارقات التي حدثت في أيام شهر الصيام أن ( المسحرجي ) لم يوقظ نائما فالكل مستيقظ لم ينم، لكنه أبى إلا أن يضرب الطبل وفاء للتراث ويمنح للأزقة بهجة السحور وفي كل زقاق يستوقفه بعض الصغار ليجربوا الضرب على هذا الطبل العجيب في محاولات بريئة لتقليد طريقته التي أصبح يتفنن فيها ليمنحها روحا جديدة من الفكاهة والظرافة .

ما يميز هذا العيد أنه الأول للمسلمين في زمن الوباء حيث خلت مساجدهم ومزاراتهم من الشعائر والتجمعات وأنها ستكون خالية من صلاة عيد يجتمعون فيها وهم ينصتون للتكبير والتهليل .

ما يميز هذا العيد أنه سيشهد تزاورا محدودا يفرضه حظر التجوال، وما يميزه أن المقابر ستفتقد الوافدين إليها من البقاع البعيدة النائية التي سيكتفي أهلها بالاشتياق لشم ثراها .

مايميز هذا العيد أن البعض ممن ابتلاه الله بالوباء سيقضيه في الحجر وهو يتذكر سالف الأعياد التي قضاها مع الأهل والأحبة في دياره وهو في سلامة من العلل وراحة من البلاء، ولعل منهم من كان يردد هذا الجزء من الجوشن الصغير : " إِلهِي وَكَمْ مِنْ عَبْدٍ أَمْسَىٰ وَأَصْبَحَ سَقِيماً مُوْجِعاً  فِي أَنَّةٍ وَعَوِيلٍ، يَتَقَلَّبُ فِي غَمِّهِ، لا يَجِدُ مَحِيصاً، وَلا يُسِيغُ طَعَاماً وَلا يَسْتَعْذِبُ شَرَاباً، وَأَنَا فِي صِحَّةٍ مِنَ الْبَدَنِ، وَسَلامَةٍ مِنَ الْعَيْشِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ يَا رَبِّ مِنْ مُقْتَدِرٍ لا يُغْلَبُ، وَذِي أَنَاةٍ لا يَعْجَلُ، صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلنِي لِنَعْمَائِكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَلآلائِكَ مِنَ الذَّاكِرِينَ " .

لكن العيد يبقى عيدا وإن كثرت البلايا والمنايا وطموح المؤمن ان تكون كل أيامه أعياد حين تمر عليه بلا معصية :"إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبلَ اللهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ، وَكُلُّ يَوْمٍ لاَ يُعْصَى اللهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ. " .

الأمل أن تنجلي الهموم ..

الأمل أن يزول الوباء ..

الأمل أن يأتي الفرج ليعم الأرض عيدها بموعودها .

..............

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك