عباس العنبوري
وانا في غمرة البحث عن مصطفى الكاظمي المزمع تنصيبه ملكاً على عرش رئاسة وزراء العراق، لفت انتبهاي ذلك الغموض الذي يلف شخصيته وقلة البيانات الواردة عنه. اذ لا تعدو كونها معلومات سطحية لا يمكن الاعتماد عليها في تحليل قدرته على ادارة بلد يمر بواحدٍ من اكثر مراحله حراجةً بعد تأسيس جمهوريته المعاصرة ما بعد 2003. في وقتٍ تعصف به الانقسامات الداخلية والضغوط الدولية والاقتصادية والصحية بما لا يدع مجالاً لتقديم تجارب يحتمل فيها الفشل. الامر الذي قد يهدد التجربة برمتها، ويغرق القارب بمن فيه من منتفعين ومستفيدين.
فاذا ما كان الرجل صحفياً واعلامياً فان النزر المترشح من حديثه في احدى اللقاءات المتلفزة، لا يبدي لساناً قادراً على صياغة بيانه والفاظه كما ينبغي للاعلامي ان يكون. كما وان البحث عن نتاجه المكتوب يجعلك تدور في حلقةً فارغة للعثور على احدى نسخ كتبه الاربعة المنشورة، والتي لا تعرف عنها سوى الاسم والسعرالبالغ (6) دولارات لأحد تلك الكتب والذي يحمل عنوان " مسألة العراق"! واذا ما عجز الباحث عن العثور على مادته الاولية في التعرف على ملامح الشخصية موضع البحث، فلا يسعه عند ذلك الا ان يشيح وجهته باتجاه الغوص في انعكاسات تلك الشخصية على من عرفها وعايشها وعمل معها.
فالكاظمي، كان عضواً في فريق الباحث والمعماري العراقي كنعان مكية، والذي كان بدوره جزءً من المشروع الاميركي "تحرير العراق". اذ يعتبر كتابه –اي مكية -"جمهورية الخوف" المكتوب باللغة الانكليزية والمترجم –لاحقاً- للغة العربية واحداً من اهم المصادر التي وثقفت المنهج الفكري والتنظيمي في بناء الخوف داخل العراق على يد حزب البعث. ومن العجيب حقاً، ان مكية وبعد مرور ما يزيد على الربع قرن على كتابه الاول، يثير الرأي العام بانقلاب طوره الفكري بنشره لروايته " الفتنة" والتي تحمل عنوان "The Rope " او "الحبل" باللغة الانكليزية، وفيها ينقلب الكاتب مصوراً صدام في اول مشاهد الرواية، بانه ذلك البطل المحاط بالجبناء!
عندما دخل الكاظمي الى العراق كان مسؤولاً عن مؤسسة الذاكرة العراقية التي يشرف عليها "استاذه" كنعان مكية، والتي عملت على توثيق التاريخ الشفاهي لضحايا النظام السابق، دون ان يكون هناك انجازات حقيقيةٍ لهذه المؤسسة على ارض الواقع. وليس هناك من معلومات ما اذا كان سبب تلكؤ المؤسسة، فقدانها للدعم المادي الضروري لديمومتها. او اية اسباب فنية أخرى.
وهكذا فان حقيقة الارتباط الشخصي والتنظيمي بين مكية والكاظمي يكشف عن حقيقة الاهتمام الخاص بالبعد الاعلامي التنظيري في العمل السياسي، والذي يرتبط في جذوره بدوائر دولية خاصة كان- بلا شك- لها دورٌ كبير في اختياره لهذه المهمة المعقدة. وهو الامر الذي ينجلي خلال بحثي ليومين مستمرين عن مقالات تتحدث عن شخصية الكاظمي من قبل كُتاب المقالات الذين ادخروا كثيراً من جهودهم اما لمدحه او السكوت على ذمه على اقل تقدير. مما يثبت المعلومات المؤكده على تجنيده لفريق من الاعلاميين والصحفيين خلال عمله رئيساً لجهاز المخابرات الوطني.
وعند البحث عن الانعكاس الثاني لتشكل شخصيته، فلا مناص من الوقوف على حديث الكاتب حسن العلوي في رسالته الصوتية الاخيرة، والتي وبخ فيها "تلميذه" الذي لطالما قال:- والكلام للعلوي- ان لا قيمة لحكومة لا تستوزر حسن العلوي لحقيبة الثقافة!
ان شحة البيانات والغموض الذي يلف شخصية الكاظمي يعيدنا لطريقة صعود (صدام التكريتي) التي حكاها حسن العلوي "الاستاذ الثاني" للكاظمي في كتابه " العراق دولة المنظمة السرية". ففي محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم كان " الجهاز الحزبي يتسائل عن كيفية تسلل نصير مبتدئ في الحزب الى مجموعة قيادية مكلفة بعملية خاصة، دون علم مسؤول التنظيم عبد الخالق السامرائي"*.
فهل سيكون الكاظمي رئيساً لوزراء جمهورية لا خوف فيها ودولةٍ لا تذبحنا فيها منظمة سرية؟!
هذا ما ستكشفه الايام.
________
* من كتاب "العراق دولة المنظمة السرية " للكاتب حسن العلوي
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)