تزامنا مع العمليات ضد "داعش"، لابد ان يثار موضوع ظلامة التركمان، خصوصاً في مناطق كركوك وتلعفر التي يهددها "داعش" او يسيطر عليها. ومن المؤكد ان الملف التركماني يتطلب اهتماماً خاصاً. واول المعنيين هم التركمان انفسهم، ولكن ايضاً بقية العراقيين وغير العراقيين ممن له علاقة خاصة ومتفهمة ومساعدة، في هذا الموضوع. الامر الاخر في هذا الملف -شأنه شأن الملف العربي والكردي والشيعي والسني والمسيحي، الخ- هو تعريف انماط الامتدادات والعلاقات الخارجية الخاصة وحدودها وافاقها مع اخوانهم في القومية او الدين او المذهب. فجميع هذه الامور مشروعة ومطلوبة ويمكن ان تشكل قوة للمكون والعراق والمنطقة اذا ما احسن تعريفها والتعامل معها. وبالعكس يمكن ان تشكل عوامل تمزق وتدخل اذا ما اسيء فهمها. عاش العرب والكرد والفرس والترك وبقية الاقوام في هذه المنطقة منذ الاف السنين. عاشوا فترات نهضتها ورقيها، وفترات تراجعها وتخلفها.. وفترات وحداتها وانقساماتها. ومما يؤسف له ان البعض في تعامله مع الاحداث السياسية الراهنة يسقط نظرة انتقائية، فينتقي فصلاً يناسب سياساته ومزاجه متناسياً بقية الفصول، او يؤكد على حقيقة وينسى بقية الحقائق.
لقد ابدت تركيا دائماً اهتماماً خاصاً بالتركمان العراقيين وهذا امر مفهوم.. بالمقابل يشعر غالبية التركمان بكثير من الروابط والعلاقات مع تركيا وهذا ايضاً امر مفهوم. وتوضيحاً لبعض المفاهيم الخاطئة التي يطرحها البعض كموضوعة التعامل مع التركمان وكأنهم "جالية"،
وجدت من المفيد اعادة نشر نص افتتاحية بعنوان "التركمان الاخ الثالث بدونه لن يستقر العراق"، كتبتها في ١٧/٦/٢٠١٦:
["التركمان هم اللون الثالث في الطيف العراقي.. وهناك احساس -مدعوم بالوقائع- بعدم رعاية حقوقهم ومطالبهم وخصوصياتهم بالقدر الكافي.. وعدم الاهتمام بمناطقهم وابنائهم وتمثيلهم المتوازن في مواقع الدولة بالقدر المطلوب.. فلديهم شكاوى بعدم الانصاف، وبالتجاوز، وعلينا ان نأخذ كل ذلك بجد ومسؤولية.
هناك من يتعامل مع التركمان وكأنهم جزءاً من تركيا. والهدف هو الاتهام والتضعيف.. تماماً كاستهداف الكرد بتهمة الانفصال.. والشيعة بالتبعية لايران.. والسنة بموالاة السعودية او غيرها، وهكذا. وقد يكون سبب التشويش ما ورد في الاتفاق التركي البريطاني (1926) في قضية الموصل وترك الخيار للتركمان بين حق البقاء والهجرة الى تركيا. فلم يغادر سوى انفار.. وبقيت الاغلبية الساحقة معتزة بوطنها. رغم انه من الطبيعي ان تكون هناك احاسيس خاصة بين التركمان وتركيا، منها الاصول المشتركة وهجرتهم جميعاً من اسيا الوسطى الى مناطق الشرق الاوسط بما فيها تركيا والعراق، مما يعطي خصوصية لهذه العلاقة اكثر مما هي مع الاخرين.. ويعطي العراق قوة التعددية والتمثيلية التي تجعله شريكاً قوياً مع جيرانه. فالخطأ الذي يقع فيه البعض هو اعتبار التركمان كجالية تركية. بينما هم قد استوطنوا العراق، في فترات تعود لاكثر من اثني عشر قرناً.. وبالذات في المرحلة السلجوقية. فلعبوا دوراً كبيراً في رحم الدولة العباسية.. مثال المعتصم وبناء سامراء (سر من رأى) وعسكرة التركمان فيها. وبعد سقوط العباسيين، اسسوا دولاً مهمة كالخروف الابيض (اق قوينلو الشيعية) والخروف الاسود (قرة قوينلو السنية) والاتابكية، اوغيرها.. مما يشير الى عمق دورهم في تاريخ العراق. وخلال جميع هذه الفصول، لعبوا ادواراً كبيرة، وقدموا رجالاً عظاماً.. منهم في الفترة المعاصرة (كمثال ليس الا) العلامة مصطفى جواد والشاعر عبد الوهاب البياتي وغازي الداغستاني وعمر علي من كبار الضباط.. وحكمت سليمان وعزيز الكركوكلي من كبار سياسيي العهد الملكي.
تعرض التركمان شأنهم شأن الاخرين لاضطهاد النظام السابق.. فاعدموا وسجنوا واضطهدوا وهجروا من مناطقهم خلال سياسات التبعيث والتعريب التي دفع الجميع ثمنها، والتي اوجدت فتنة لم تغلق كامل فصولها بعد، بما يرضي الجميع. فموازين القوى بين الاشقاء لا يمكن ان تكون اساس العلاقة، بل اساسها العدل والحقوق المشروعة.. ليتمكن الجميع من التقدم والخروج رابحين في عراق ينصف مواطنيه.. ويحول تعدديته الى قوة ووحدة لا الى ضعف وتناحر."]
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha