( بقلم : امجد الحسيني / اعلامي عراقي )
إن مصطلح الإغتراب في الثقافة يقترن بالانية الوقتية التي يمر به المثقف وهو غير منفصل عن الاحداث السياسية التي تمر بها البلاد والشعوب في العالم وهذا الاغتراب قد يكون مصدر اثراء للمثقف وقد يكون مصدر انحطاط يلقي باثاره على المجتمعات لان المثقف هو اقرب الناس احتكاكا بالمجتمع لانه يؤثر في المجتمع ويتأثر به بحكم احتكاكه والتصاقه بالمجتمع ؛ والمجتمع العربي هو اكثر هذه المجتمعات تأثرا بالثقافة وبالاغتراب وهذا الاغتراب الذي فرضته الحرب الطائفية اللبنانية في العقود المنصرمة جمع النقضين للمجتمع فهو بقدر ما افاد المجتمع اللبناني بقدر ما سار به نحو ثقافة التغريب التي سلبت من هذا المجتمع الثقافة العربية وهنا برزت مشكلة خطيرة تتمثل في أن سايكلوجية المثقف العربي تبتعد عن النضج ؛ فالمثقف العربي ينقسم الى مثقف ردكالي متشدد لايقبل التغيير مما قد يؤثر سلبا في ان يكون عرضة لتغيير افكره سلبا فينزع نحو التشدد الديني او التشبث بالقومية العربية الزائفة التي تقصي الاخر لتنتج ثقافة القتل والارهاب كما يسود العالم العربي حاليا ؛ ومثقف ينبهر بالعالم الغربي لينسى ثقافته كليا وينحو الى ثقافة التغريب التي تسلب الهوية العربية الاسلامية ليكون المجتمع العربي في نظر هذا المثقف المنبهر عالم يغوص في مجاهل الجهل والظلمات حتى يجره الغرور الى مرحلة من مراحل الاعتداء على قاموس الاخلاق الاسلامي الذي هو بكل المقاييس قانون فريد لم يصنع العالم المتحضر الى الان قاموسا اخلاقي يقترب منه او يضاهيه لان من صفته القدوم من السماء والحفظ في تاريخ عميق من اثار الرسول الاكرم والائمة المعصومين الاطهار ؛ وان الاعتداء على هذا القاموس هو ابتذال للقيم الاخلاقية الانسانية ليس بالنسبة للمجتمع الاسلامي فحسب بل هو ابتذال واعتداء على كل القيم الانسانية لان هذه الانسانية حفظت الكثير من القيم الاخلاقية الواردة في الكتب السماوية ( الالواح الزبور الانجيل ؛ احاديث الرسول الاعظم ورسائل الخليفة الرابع الامام علي(ع) ونهجه بالاضافة الى مآثر الائمة الاطهار وسلوكياتهم التي يحفظها التاريخ الاخلاقي الانساني ) ؛ والغريب ان السنوات الاربعة الاخيرة التي عاشها العراق وتحديدا بعد سقوط النظام الشمولي البعثي الظالم افرزت نوع من انواع الاغتراب قد لايكون جديدا وقد يكون موجود في تاريخه لكنه ظهر من جديد يختلف عن جميع انواع الاغتراب التي عاشتها المجتمعات هذا النوع يتحدد في اغتراب المثقف العراقي عن المجتمع وهو انحراف خطير للثقافة العراقية يمثل نوعا من انواع الانحطاط ومن اسباب هذا الاغتراب :
1- المثقف العراقي خرج قبل اربعة اعوام من سياسة قمعية شمولية هذه السياسة التي اغرت المثقف واشعرته بالاحباط حتى ظن ان هذه المرحلة من القمع لن تزول مما دفعه الى ان يفكر في انه لن يخرج من هذا الطوق وجعله يكيف نفسه مع ثقافة القمع والتمظهر بمظهر القمع الازلي فالمثقف العراقي لحد الان يعيش فترة القمع وهو لايستطيع التكييف وسياسة الحرية المفتوحة لذا لم ينتج وخلال السنوات الاربع الماظية الا نتاجات سوداوية حتى المثقف الراشد لم يخرج من ثقافة القيد المفروضة عليه اليوم من ذاتيته ولنرى قول احد اهم الشعراء والذي يشكل ظاهرة حداثوية في الشعر ونهظة راشدة للشعر العربي كيف يعيش حياة القمع التاريخي في قوله : ليل بلا جدوى ،وفجر آجليتقاسمانك ،وانتظار قاحلخلف انتظارات تيبس أهلهاوالوقت أوراق وصبر باسلومؤجلون،ذنوبهم أحلامهملا فوق الجراح قوافل
2- عدم شعور برنامج من قبل المثقف ينسجم ومرحلة الانتشار والانفتاح فهو يجتر مراحل سابقة ويحاكي نماذج تعرقل الرقي الحقيقي للثقافة العراقية فالصراع قائم بين مثقف الداخل ومثقف الخارج في حيازة الشارع مرة وفي الهروب اخرى وعدم خلق سياسة تلاقح وتعايش وعدم النظر الى التلاقح الفكري كوسيلة لخلق ثقافة جديد فالثقافة العراقية لاتزال تعيش في مرحلة الخوف مرة والخطأ اخرى وفتور الاندفاع نحو الانبثاق وان كانت الثقافة غير قادرة على انشاء منهج جديد لها فعلى المثقف تقع مسؤولية المحاكاة الرشيدة التي تعمل بفكرة التشابه الابداعي لانتاج ثقافة ابداعية تواكب المجتمع وتبتعد عن السياسي لان الاقتراب من السياسي والابتعاد عن المجتمع وعدم التوازن بين الاثنين سيخلق ثقافة اموية او هارونية او ما يطلق عليها ثقافة البلاط التي مل المجتمع العراقي العيش فيها لانه واكبها اكثر من خمس وثلاثين عاما .
3- انعتاق المثقف في بوتقة السياسي حتى صار انتاجه سياسيا ينغلق بانغلاقه لسياسة الحزب او الحركة التي ينتمي لها في الوقت الذي يحتاجه الاجتماعي والنفسي وانفتاحاته لذا صار المثقف او الاديب ينتج ثقافة سياسية انغلاقية في الوقت الذي يُحتاج إليه في انشاء نص انفتاحي تربوي يرشد المجتمع الى البناء والابتعاد عن الحروب السياسية لطائفية او الفئوية او الانتخابية وانا هنا لا اقول ان على المثقف التجرد من السياسة ولكنه هو المهيمن على السياسة بحيث يحدد اداء السياسي ومدى قربه من منافع المجتمع او بعده وهنا على المثقف التعالي عن اداء السياسي ان كان اداء السياسي غير صحيح وانا اخالف النائبة الدملوج في قولها ( على المثقف ان لا يتعالى على السياسي) واقول على المثقف ان يتعالى على السياسي لان هذا السياسي او البرلماني في الوضع الحالي قد لا يحمل شهادة الاعدادية ولا يفقه الحديث لذا على المثفف ارشاد السياسي جدوى الثقافة في اصلاح المجتمع والقول المأثور يقول ( اذا وقف العلماء بباب الوزراء فبئس الوزراء وبئس العلماء واذا وقف الوزراء على باب العلماء فنعم العلماء ونعم الوزراء ) .
4- بكاء المثقف لبغداد عاصمة الثقافة والادب العربي وهو مقتنع - اي المثقف – بالبكاء على اطلال بغداد فيما لم ينشىء هذا المثقف او ذاك لحد الان نصا يدعو فيه الى بناء بغداد وهذا المثقف صار عالة على بغداد في اكتفائه بالبكاء وبغداد لاتريد بكاءً بقدار ماتحتاج الى مثقف شجاع ومحاكاة رشيدة لاصلاح بغداد والانتشار لبناء العراق من جديد بعدما هدمته خمس وثلاثون عاما من الاقصاء والتهميش والسجون والمقاصل والمقابر الجماعية وسياسة الحزب الواحد والقائد الاوحد قبل ان تهدمه دبابات الاحتلال وطائرات قوات التحالف .
5- ارتفاع صوت المثقف الانتهازي وخفوت صوت المثقف الحقيقي فهذا الانتهازي تربع على المناصب الحكومية بالامس وبقاء الامر على ماهو عليه حفظ المناصب لذلك المثقف الانتهازي وتلون هذا المثقف كان وخلال السنوات الاربع حجر العثرة في انعتاق الثقافة العراقية من ذلك اللحن البعثي المقييت الذي لايزال يعزف الالحان النشاز لبقاء الثقافة والتربية الاقصائية على حالها وهو الصوت المسموع لحد الان رغم محاولات قليلة للمثقف الراشد في اصلاح الوضع ولكن دون جدوى وللاسف ان التلون والانتهازية تجد لها في بعض الاحزاب الإقصائية الجديدة صوتا مسموع ولاتزال وزارات الثقافة والتربية والتعليم العالي تموج بثقافات البعث التدميرية وافكار القمع الصدامي في ظل وزراء لاتعنيهم الثقافة بقدر ماتعنيهم السياسة .
https://telegram.me/buratha