سعد صاحب الوائلي
بداية ، الـ(فنانيس) هي شخصيات خيالية تعرض خلال شهر رمضان على شكل فواصل غرافيكية على قنوات (إم بي سي) منذ عام 2015 ، وكانت تقدم كفواصل كوميدية بسيطة بين فقرات القنوات، حظيت هذه الشخصيات على مر السنين بإعجاب وتلقي كبير من الجمهور وتحولت إلى أيقونات تعبر عن شهر رمضان، والتي حولتها مجموعة قنوات (إم بي سي) فيما بعد لمسلسل كرتوني، حتى باتت لهذه الشخصيات الكارتونية شهرة واسعة جدا في العالم الإسلامي، بعد ان مهدت اللوغوات البصرية السابقة كما في مصر مثل ( بوجي وطمطم وبسنت ودياسطي)، ليتم الانتقال الى طفرة كبيرة في التأثير البصري عبر (شخصيات الفنانيس)، حتى وصلت الى مرحلة (التجسيم) و(التماثيل) لتجد لها مكان ملموساً في العالم الواقعي في داخل المجتمع الإسلامي، حيث بات لها في كل ممنازل المسلمين زاوية رمضانية تقبع فيها تلك الاصنام والمجسمات والصحون والفوانيس (الفنانيسية الامبيسية) اذا صح التعبير.
وبالطبع سوف لن نتمكن في هذه العجالة من نقد وفضح كل الاداء المغرض والملغوم لقنوات (ام بي سي)، وسوف لن نتطرق لنجاحها خلال الأعوام الماضية في تفريغ شهر رمضان (بل كل المفاهيم الدينية) من محتواها عبر (مقالب رامز جلال الباهضة التكاليف سنويا)، ولا بجهودها الحثيثة المستمرة في إنتاج (المسلسلات الدرامية الباهضة التكاليف أيضا) السيئة الأهداف والمرامي، بل ارتأينا في هذا العرض التركيز على استخدام قنوات الامبي سي الجانب الايقوني عبر هذا الاستخدام المفرط والمكرر للإيقونات الغرافيكية المتحركة (الفنانيس) والمشحونة بالرسائل المغرضة المشبوهة الموجهة في كل شهر رمضان، حتى افلحت ونجحت نجاحا منقطع النظير هذه القنوات، بجعل تلك الايقونات الغرافيكية الكارتونية ثيمة ولوغو وسمة لشهر رمضان المبارك بدل الهلال او شكل القرآن الكريم، او عبارات المباركة ونصوص الايات القرآنية الدالة او الادعية الرمضانية المعروفة كما في سالف الزمان.
لقد كان التأثير البصري بفعل هذه الايقونات الغرافيكية (الفنانيس) كبيراً جدا على المشاهدين المسلمين في كل ارجاء المعمورة، وباتت مشاهداتها مليونية بكل ما لهذه الكلمة من معنى، حتى باتت تلك الرموز تأخذ طابعاً تجسيديا صنمياً بين عام وآخر، حتى غدت تلك الاصنام والمجسمات والتماثيل الخاصة بتلك الفنانيس زاوية رمضانية خاصة في كل منزل في العالم الإسلامي تقريبا. والمفارقة ان أسعار تلك الدمى والمجسمات لفنانيس الامبيسي الرمضانية والفوانيس والصحون مازالت في ارتفاع الأسعار وبشكل جنوني وصل العام الماضي الى اكثر من 50% في مصر والعالم العربي.
وليس من نافلة القول خطورة ما تستبطنه عروض تلك الفنانيس المرئية من حجوم هائلة من الرسائل التبليغية المكثفة، المتجسدة عبر شخصيات تلك الرسوم الكارتونية المتحركة، والتي ليس لها هم الا ان إفراغ شهر رمضان الفضيل من تأثيره الإيجابي على المجتمع المسلم، لتجعله منصباً على تناول الأطعمة والحلويات والقطايف والكنافة والشره في تناول الأطعمة، حتى انها أظهرت بطل تلك الفنانيس رجلا بدينا سمينا لا هم له سوى تناول الأطعمة بشراهة، كما نجد (الشيخ الكبير) سلفياً متصابياً لا هم له سوى الولع بأجهزة الهاتف المحمول والتقاط صور (السيلفي) في مشاهد متصابية لا تنم عن حكمة وورع الشيوخ الكبار، ناهيك عن كون صانعيه البسوا عليه صورة ذهنية تاريخية شبيهة بشخصية (شيبوب) لابعاد كل اشكال الحكمة والرزانة عنه.
إن المقاصد التركيزية المبالغ فيها باتت واضحة من قبل قنوات الام بي سي لجعل أيام شهر رمضان المبارك اياماً للالتذاذ بالاطعمة والحلويات ومشاهدة المسلسلات ومتابعة (مقالب رامز جلال)، و جعل المرأى البصري للمجتمع المسلم مرآىً مشحوناً بالرقص والغناء والتركيز على الطعام وترويجياً لثقافة الاستهلاك، سلخاً للشهر الفضيل من دوره كشهرٍ لممارسة الشعائر الإسلامية الهدفة كالشعور بالجوع والتجوع ومواساة الفقراء والمساكين وشهرا لتلاوة القرآن الكريم وللدعاء، وشهرا للطاعة والتنسك والتضرع والتقرب للباري عزوجل، فأفلحت (الامبيسيات) بنزع الحالة الروحانية من الشهر الفضيل.
ان نجاح قنوات الامبي سي بجعل الشباب بل والشيوخ أيضا يعمدون لتغيير رنات هواتفهم الخلوية الى رنات أغاني (الفنانيس) الرمضانية لهو اعتراف صريح بالنجاح الكبير لهذه القنوات التي تقف وراءها الماسونية واللوبي الصهيواميركي وشركاته العظمى، والتي تقصدت عبر هذه الفضائيات و(فنانيسهم) مخاطبة العقل اللاوعي لدى المجتمع الإسلامي واجياله وناشئته وتهيئتهم لتقبل ما لم يكن آباؤهم يتقبلوه من الأمور والمفاهيم، حتى بات شهر رمضان في اذهانهم يعني التركيز على الجانب الغريزي والإلتذاذي والاهتمام بالنهم وبالشهوة الطعامية وملء البطون، وعدم الخشية من السمنة المفرطة، الى جانب جعله موسماً للارتباط بالجنس الاخر، فمؤخرا (اوجدوا للرجل البدين شريكة له حسناء بدينة).
ان ارتباط قنوات الام بي سي بالدوائر الماسونية لم يعد سراً مكتوماً، فمدوناتهم تؤكد ان استراتيجيتهم مع المسلمين هي استراتيجية ثقافة القطيع، فهم لا يدعون لمغادرة الرعاع لدينهم، بل يصروحون بان (إبق على دينك، ولكن مثلما يريد الشيطان، وليس مثلما يريد الدين). وبالتالي فهم ينظرون ان الأمم الإسلامية هي أمم اغنام، وأمم بهيمية و بوهيمية، فركزوا في طبيعة خطابهم الباطن على التركيز على الغرائز والشهوات فنجحوا في ذلك نجاحا كبيرا، فهل يعي أولو الامر، والمثقفون والاكاديميون والتربويون والموجهون ورجال الدين والمبلغون حجم الخطورة التي تمثلها تلك الطفرة في قود المجتمع بثقافة القطع عبر (فنانيس الام بي سي) التي سرقت منا الشهر الفضيل، شهر رمضان الذي لم يعد مباركاً بل شهراً فنانيسياً ، أم بي سياً، فهل من مدّكر. وهل من محطم لزاوية الفنانيس (الرمضانية) في منزله ومن عقول اسرته.
https://telegram.me/buratha
