المقالات

الفيدرالية بين بايدن والدستور العراقي


( بقلم : عباس الياسري )

لا بد من اجراء مقاربات فكرية وعقلية لكل ما يدور في المشهد العراقي وما يرتبط به اقليمياً ودولياً بواقعية تنظر الى الشأن العراقي كحزمة واحدة واخضاعها لمعايير صحيحة تبتعد عن العواطف والنوايا المبيتة والتي تتعدى وتحت ظروف معينة وفي احيان كثيرة العديد على ثوابت العملية السياسية الجارية منذ أكثر من أربع اعوام وبتاريخ نضالي يمتد على مساحة واسعة من التاريخ العراقي الحديث لترسيخ الكثير من المفاهيم التي افتقدها الشعب العراقي في ظل تعاقب حكومات شمولية أمسكت بزمام هذا البلد ، هذه الثوابت اصبح المساس بها من الخطورة على مستقبل العراق ووحدته ومنها العملية السياسية وما تضمنته من انتخابات حرة ودستور دائم للبلاد يحدد هوية العراق على انه بلد فدرالي ديمقراطي تعددي وعلى اساس اختياري واعتبار الفيدرالية وهي من المفاهيم السياسية والنظم الادارية لتنظيم شؤون الحكم والتي تطبق في الكثير من بلدان العالم ومنذ اكثر من قرنين من الزمان وبعدما اتفق ساسة العراق على هذه المفاهيم واعتبار الفدرالية نوع من الارتباط السياسي ووعاء لدولة اتحادية بعيدة عن التقسيم وتكون ضامن لوحدة العراق وضمن كل هذا دستور مكتوب من لجنة منتخبة وبتوافق جميع الاطراف السياسية واقره الشعب باستفتاء عام وتم بعدها اقرار مشروع الاقاليم بعد عرضه للتصويت في البرلمان ،

والمقاربة التي نريد ان نجريها بين ما جرى في المشهد العراقي في مراحله السابقة وبين ما جرى التصويت عليه في مجلس الشيوخ الامريكي وموافقته على اقرار المشروع الذي تقدم به السيناتور الديمقراطي (جوزيف بايدن) وزميله الجمهوري (وسام براونياك) ودعم من قبل نواب مرموقين مثل بار برايوكس وكيلي هاتشنيسون المقربة من الرئيس بوش ويهدف المشروع الى تقسيم العراق الى مناطق تتمتع بالحكم الذاتي ترتبط بحكومة اتحادية تنظم شؤونها وتأخذ على عاتقها القضايا السيادية ورغم تحقيق المشروع للأغلبية إلا انه غير ملزم لا للارادة الامريكية ولا للحكومة العراقية واذا ما تمت هذه المقاربات مع ما تضمنه الدستور العراقي بهذا الشأن نرى ان المسافة ليست ببعيدة بين الطرفين والسيناتور لم يأت بجديد عندما عرض مشروعه على المجلس ولكن الجديد الذي اتى به هو خطأ أمريكي آخر يضاف الى سلسلة أخطاؤهم والتي صعبت السهل وعقدت المعقد وهو بذلك فتح النقاش في ملف تم حسمه من جميع الاطراف وهنالك خطوات متقدمة لتطبيقه ويمكن اضافة هذا الخطأ الى الاخطاء الستراتيجية الاخرى والتي أهمها اعلان دول محور الشر قبل الحرب ومحاولة اشعار حكومات المنطقة وبشكل صريح بان التجربة العراقية يمكن تسويقها لهم مما جعل الجميع يصطف لمحاربتها وسلسلة الاخطاء تطول وقبل المشروع كان موعد تقرير كروكر باتريوس والذي شل الحراك السياسي في العراق لشهور عديدة واربك العملية السياسية بالانسحابات العديدة التي كانت تأمل من التقرير اسقاط الحكومة والقاء العملية السياسية والعودة الى نقطة الصفر وما ان انتظم الجميع بحراك جديد لتعويض ما فات بعدما خاب املهم من التقرير اتى مشروع (بايدن) ليثير لغط بعيد عما طرحه السيناتور واعادت نقاشات عقيمة تم تجاوزها منذ فترة ليست بالقليلة ،

ورغم انه كلمة تقسيم لم تورد في المشروع ولكن كعادته في قلب المفاهيم روح الاعلام وبعض الساسة لكلمة (قسيم) في محاولة لاستثارة الخوف الغرائزي في العقل الجمعي العراقي وترهيب الناس فكرياً ودفع الناس للانقلاب على الفدرالية التي صوت عليها وجعل مصطلح فدرالية مرادفاً لمصطلح التقسيم ومن خلال هجمة منظمة ظاهرها ضد مشروع بايدن وباطنها ضد الفدرالية اخذ الخطاب يرتفع بدرجات منظمة ليتناسى المشروع ويركز هجوماً مباشراً على الفدرالية وبشكل مقصود وكالعادة ابتعد الكثير من الساسة عن موضوعة النقاش الرئيسية وتعداده للنيل من النظام الفدرالي ومشروع الاقاليم بل وصل الأمر الى جعل المشروع احراجاً للأطراف التي تنادي وتعمل من اجل تطبيق بنود الدستور ومنها الفدرالية ولا تعرف لماذا يكون محرجاً لهم ..؟ ولو كان النقد ركز على ان المشروع تناول شأناً داخلياً اقره البرلمان قبل السيناتور او اعتباره يقترب في طرحه من الكونفدرالية أكثر من الفدرالية لكان يمكن تفهم دوافعهم وايجاد المبررات لهم وهذا ما لم نسمعه من اي طرف عراقي بل وجدها البعض فرصة لتشويه الفدرالية واعتبار ما اقره النواب في الدستور كان مقدمات مدنسة لمشروع بايدن (التقسيمي) وابتعد اخرين اكثر لربط الفدرالية في العراق بمشاريع امريكية ظهرت في بداية الثمانينات من القرن المنصرم تدعو الى تقسيم المنطقة من خلال (سايكس بيكو) جديد ، الطروحات التي سمعناها والمقالات فيها لا تعطي الا انطباع واحد وهو محاولات البعض قضم منجزات الشعب العراقي وابتلاعها والخطوة الاولى تبدأ بقبر الفدرالية في مهدها ولا تنتهي هذه الخطوات الا بالعودة الى ما قبل التاسع من نيسان ومع الاسف كل هذه الامور تسوق تحت شعار وحدة العراق ووحدة شعبه بدون تقديم مشاريع اخرى سوى العودة الى الدولة المركزية والانظمة الشمولية ولم يجرؤ أحد على تسليط الضوء على منجزات الدولة المركزية ليس في العراق وحده وانما في عموم المنطقة وبصراحة انها لم تحقق شيء سوى الحروب والمقابر الجماعية ومصادرة الحقوق والحريات وترك البلدان تعاني من الفقر والامية وهذا ما تكشف عنه احصائيات المنظمات الدولية والمضحك المبكي كانت عندما تعد الدول الغنية لا يعد العراق من ضمنها وليبيا ولكن يوضعا ضمن خانة البلدان الفقيرة رغم مخزونهما النفطي الهائل ، ولا احد يريد ان ينتبه الى ان الغاء المنجزات التي حققها الشعب العراقي والتعدي على ثوابته هو ما يدفع بالعراق الى الحرب الاهلية ومن ثم التقسيم ان لم يكن العراق اقرب للتقسيم منه الى الحرب الاهلية ولكن يمكن تجاوز كل ذلك باتفاق سياسي هدفه الحفاظ على كل ما تحقق وعدم الغاء المنجزات وبالتالي يكون الجميع صادق في شعاراته في المحافظة على وحدة العراق وتجنيبه الحرب الاهلية والتي ما زال الجميع يتحاشاها ويدفع عن نفسه تهمة التحريض عليها ولكنها الحقيقة الثابتة التي يجب ان يراها الجميع ان تجاوز الدستور والغاء الفدرالية يعني بداية صراع وتصارع تتجاوز مدياته حدود العراق ويكون ساعتها الجميع قد اسس للتقسيم هروباً من الحرب الاهلية والتي ان وقعت لا سامح الله ستدفع شعب كردستان للوقوف على الحياد للحفاظ على مكتسباته ومنها اقامة اقليم كردستان والابتعاد عن الدخول في اي صراع ترى القيادات الكردية انه يضر بالعراق والعراقيين وخسارة الجميع لمكتسباته وهذا ما يدفع لأخذ موقف الحياد وكما اعلن السيد مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان في أكثر من مناسبة ،

 لذلك يمكن اعتبار النظام الفدرالي هو الضامن الوحيد لوحدة العراق وهذا ما لمسه الجميع من دور ايجابي لقيادات اقليم كردستان والتي تسعى جاهدة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين وقد لاحظ الجميع كيف اقتنعت القيادة الكردية شعبها بعدم جدوى الانفصال وهو الذي صوت بنسبة 97% عند اجراء الاستفتاء حول تقرير المصير رغم وجود كل مقومات الانفصال من مؤسسات برلمانية وحكومة ومنظمات مجتمع مدني لكن السيد مسعود البارزاني وضح ان كل ما جرى ويجري من تقدم وبناء في كردستان هو محاولة تنظيم وليس انفصال وتثبيت الوضع الديمقراطي والتجربة الديمقراطية في الاقليم فعلى الاخرين تقديم التطمينات الى كل مكونات الشعب العراقي ودفعهم بالالتصاق اكثر بالعراق لا تنفيرهم وجعلهم يفكرون جدياً بالانفصال ، مكونات الشعب العراقي بحاجة فعلية للتطمين بعدما عانى كثيراً من اعتبار الجغرافيا اهم من الانسان وعكس مفهوم هذه العبارة وجعل الانسان اهم الجغرافيا وهذا لا يتحقق إلا بالفدرالية .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك