( بقلم : عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين العراقيين )
يجمع المراقبون السياسيون المهتمون بشأن منطقتنا ومتغيراتها على ان التجربة السياسية العراقية الجديدة باتت تمثل اليوم الانموذج الراقي في الممارسة الديمقراطية وفي احترام المكونات الاجتماعية والاتجاهات السياسية والمتبنيات الفكرية والعقائدية لأي من الركائز التي تكون بمجموعها الهوية البشرية والاثنية والعرقية لبلادنا.وفي آخر تقرير لإحدى المنظمات الدولية المختصة بمتابعة النظم السياسية في البلاد العربية وكيفية تعاملها مع الاستحقاقات الاجتماعية والسياسية تبين ان العراق هو الدولة الوحيدة من بين البلدان التي شملها الاستبيان الذي يتبع نظاماً ديمقراطياً دستورياً تعددياً ديمقراطياً حقيقياً غير محسوب على الانظمة العسكرية التي تطورت فيما بعد الى انظمة شبه مدنية ولا من نمط الانظمة السياسية التي تتبع النسق الوراثي كسياق طبيعي، وقد شملت الدراسة الاشادة بالتشريعات العراقية الدستورية الخاصة باحترام المكونات وحقوق الانسان وآليات صنع القرارات والقوانين الجديدة والمراد تطويرها، وقد توقفت الدراسة كثيراً عند مسألة منح او سحب الثقة برئيس الحكومة المرشح او المنتخب وكذلك بكيفية اختيار الوزراء، لكن هذه الاشادة الدولية والدراساتية التي تقف وراءها مراكز بحوث ذات جذور تخصصية وزمانية، عادة ما يذهب البعض الى تشويهها واضفاء حالة من الشغب السياسي والاعلامي عليها، وقد كان ذلك واضحاً في عملية التصويت على منح الثقة لوزيري الصحة والزراعة الجديدين، فبعض الاوساط السياسية والاعلامية ذهب الشغب والاحتقان به الى اطلاق وصف الفضيحة الدستورية على عملية التصويت لهذين الوزيرين وبعضها اعتبر هذا الموضوع عملية تمرير فاقعة دون ان يكلف هذا البعض نفسه الاطلاع على المواد والفقرات الدستورية التي تمت وفقها العملية.
ان العملية التصويتية التي شهدها البرلمان العراقي لجهة منح الثقة للوزيرين المذكورين كانت تتوافق تماماً مع جلسة احكام الدستور العراقي، وذلك لان الدستور فرق بين الاغلبية المطلقة وبين مصطلح (الاغلبية المطلقة لعدد الاعضاء) وقد ورد هذا التفريق في فقرة واحدة اذ ان الفقرة (ثامناً) من المادة (81) من الدستور قررت ان سحب الثقة من الوزير يكون بالاغلبية المطلقة أي اغلبية الحاضرين في حين اشترطت الفقرة نفسها على عملية سحب الثقة من رئيس الوزراء (الاغلبية المطلقة لعدد الاعضاء) وهذا يدلل على ان هنالك اغلبيتان اولهما اغلبية مطلقة للحاضرين فمثلاً اذا حضر الجلسة 140 عضواً فان موافقة 71 منهم يشكلون اكثر من النصف، وهذا ما يترتب عليه منح الثقة للوزير او سحب الثقة منه، اما (الاغلبية المطلقة لعدد الاعضاء) وهو ما ورد في مثال سحب الثقة من رئيس الوزراء فانه يحتاج الى موافقة 138 عضو على الاقل لان عدد اعضاء مجلس النواب 275 وبالتالي لابد من موافقة اكثر من نصف.
وهذا المبدأ الذي سار عليه مجلس النواب في جلسة يوافق ايضاً احكام المادة 59 من الدستور التي وضعت القاعدة العامة لقرارات مجلس النواب وهذه القاعدة طبقت في عمليات استصدار جميع القوانين السابقة اذ صدرت القوانين بالاغلبية البسيطة (النصف + 1) من عدد النواب الحاضرين أي بحصول موافقة 70 عضو فأكثر.اما ما تعلق بعدد الحضور فان هيئة رئاسة مجلس النواب قد وضعت آلية معينة وهي التسجيل والتوقيع في سجل الحضور اليومي بقصد ازالة أي شك او طعن او قول يشكك في عدد اعضاء مجلس النواب الحاضرين في الجلسة، ولو رجعنا الى هذا السجل في اليوم الذي تم التصويت فيه للوزيرين نجد ان عدد اعضاء مجلس النواب الذين حضروا ووقعوا حقق النصاب المطلوب بموجب المادة 59 من الدستور والنظام الداخلي ولا يمكن الاحتجاج ضد السجل الرسمي اللهم الا اذا قال احد النواب انني لم اكن حاضراً وتم تسجيل اسمي والتوقيع بدلي، وهذا من المحال.
وختاماً نقول ان الجلسة دستورية شرعية قانونية ومنح الثقة والتصويت للوزيرين جاء تطبيقاً لاحكام الدستور والنظام الداخلي ولمن يشكك في ذلك فان عليه طرح موضوع سحب الثقة امام البرلمان عن الوزيرين وجمع عدد الاصوات المطلوبة لينهي الموضوع بالشكل المقرر دستورياً.
https://telegram.me/buratha