( بقلم : عمار عبد الكريم الجيزاني )
تقاطعت في اغلب الأحيان الرؤى والتصورات المحلية والاقليمية والدولية ازاء ألازمة التركية العراقية بسبب النشاطات العسكرية لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يتخذ من قمم جيال قنديل مقرات لقواته وانصاره، هذه المناطق التي تعد وعرة جداً ومستعصية وليس من السهل الوصول اليها براً.
الكورد العراقيون وعلى لسان رئيس الاقليم في كردستان العراق الاستاذ مسعود بارزاني، صرح ولمرات متعددة بأنه يفضل الحل السلمي على الحل العسكري الذي سوف لا يخدم احداً، فيما طالب الـ(p.k.k) بالامتناع عن شن أي عملية عسكرية ضد القوات التركية وإلاّ سوف يواجهون عواقب لا تحمد.
عراقياً طالب الحكومة العراقية الـ(p.k.k) بترك الاراضي العراقية وان تواجدهم غير مرحب به معتبرة ان هذا الحزب هو حزب ارهابي حاله حال القاعدة (ومجاهدي خلق الايرانية)، وليس له الحق باستخدام الأراضي العراقية مقراً او ممراً لشن هجمات عسكرية ضد الجارة تركيا التي تربطها مع العراق علاقات حسن الجوار وسياسة عدم التدخل في الشأن الداخلي لكلا الدولتين.
تركياً لا زال التهديد بضرب قواعد هذا الحزب داخل العمق العراقي على أشده، وهذا ما دفع بوزارة الدفاع التركية بتحشيد أكثر من مائة ألف عسكري تركي بضمنهم الأكراد المتعاونين مع الحكومة على طول الشريط الحدودي مع العراق فضلاً عن قيام الطيران التركي بقصف تجمعات الحزب الكردي التركي في اغلب المناطق الحدودية التي يتواجدون فيها.
رجب طيب اوردغان المتحمس للقضاء على هذا الحزب وانهاء نشاطه الذي يعتبره نشاطاً ارهابياً معادياً للدولة التركية قد أوضح بشكل علني انه سوف يطلب من الرئيس بوش في لقائه المرتقب في الخامس من تشرين الثاني الحالي ان تبدي الولايات المتحدة الأمريكية المساعدة في التخلص من تواجد هذا الحزب على الأرض العراقية وكشف طبيعة السلاح الأمريكي الذي تدعي تركيا انها وجدته في حوزة المقاتلين في حزب الـ(p.k.k) وكيفية حصولهم على هذا السلاح الامريكي وإلاّ سوف يقطع العلاقات معها اذا لم تستجب لمطالبه.
محللون سياسيون ومراقبون عسكريون عراقيون ابدوا استغرابهم واستياءهم من تأخر الجامعة العربية والدول العربية من اتخاذ أي موقف ازاء التهديدات التركية وشددوا على ان هذه الازمة لو كانت مع الجارة ايران لما تأخرت الجامعة العربية في التنديد بها علماً ان لديها منظمتين معارضتين تتواجدان على الارض العراقية وهما منظمة (مجاهدي خلق) والحزب الديمقراطي الكردي الايراني، ولذلك ذهبوا الى ان الجامعة العربية تتعامل مع هذه ألازمة بازدواجية المعايير مع الأخذ بنظر الاعتبار ان الدولتين الجارتين هما من الجوار الاسلامي للعراق وليس العربي.
الخارجية العراقية وعلى لسان السيد هوشيار زيباري قال: ان الحكومة العراقية سوف تتخذ تدابير حاسمة تجاه تواجد عناصر حزب العمال الكردي داخل الأراضي العراقية وفق الدستور العراقي الذي يحظر تواجد مثل هذه الأحزاب المناوئة لدولها بشن عمليات عسكرية من داخل العراق.
الكل يبحث عن الحل (الحل الدبلوماسي) والكل يطالب الحكومة التركية بضبط النفس وعدم التصعيد ابتداءً من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي سيزور انقرة قريباً الى الموقف الأمريكي الذي أكد ان الادارة الأمريكية على استعداد لتقديم معلومات استخباراتية للجانب التركي عن اماكن تواجد عناصر الـ(p.k.k) وعدم تعريض الاراضي العراقية لخطر الاجتياح العسكري الذي ربما سيتحول الى كارثة لا تحمد عقباها. يعتقد المحللون السياسيون ان اجتماع دول الجوار العراقي في اسطنبول سوف يجد المفتاح لحل هذه ألازمة الخطيرة رغم ان الحكومة العراقية ترفض ان يتحول هذا الاجتماع الى بحث هذه ألازمة او ان تأخذ الأولوية على بساط البحث وعلى جدول أعمال الاجتماع الذي خصص لبحث موضوع(الارهاب) في العراق ودعم الحكومة العراقية المنتخبة وإسنادها في تصديها للارهابيين ووقف تدفقهم من خلال الحدود المشتركة بين العراق ودول الجوار.
من الواضح والمفروغ منه رغم تأكيد الحكومة العراقية على عدم جعل هذه ألازمة ان تتصدر المواضيع المطروحة للبحث، إلاّ ان المحللين يرون ان بحثها مطلوب في هذا الاجتماع لايجاد الحل الدبلوماسي الذي يرضي جميع الأطراف باعتبار ان هذا الحل هو الانجح الذي يصب في مصلحة الجميع.
الاخوة الكرد ـ كما يقول المحللون ـ هم الأقرب لالتقاط هذا المفتاح خاصة ان امن منطقة كردستان العراق جزء لا يتجزأ من أمن العراق والعكس صحيح، لذلك يتعين عليهم ان يأكدوا توضيح موقفهم الرسمي ازاء هذا الخطر وهذا ما يجعلهم اكثر قرباً وانسجاماً مع عمقهم الوطني والستراتيجي العراقي. وهذا ما فعله الاخوة الكرد بشكل واضح وصريح خصوصاً في الزيارة الأخيرة التي حملت رئيس برلمان كردستان الأستاذ عدنان المفتي برفقة الأستاذ فاضل ميراني نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني اللذين شاركا بكثافة وعمق في عملية الحراك السياسي العراقي. وذلك من خلال اعلان مواقفهما من على منصة البرلمان العراقي وكذلك من خلال تأكيد هذا الموقف من داخل أروقة الدولة المركزية وزيارتهما لقادة الكتل السياسية وفي طليعتها المجلس الأعلى الاسلامي العراقي، حيث كان لجو الصراحة والشفافية ما يبعث على الاطمئنان من ان المواقف السياسية العراقية برمتها تسير باتجاه واحد.
https://telegram.me/buratha