( بقلم : حسن هاني زاده )
لم يشهد تاريخ العراق الحديث منذ ما يقارب عن سبعة عقود حكومة شرعية منتخبة تتمتع بارضية شعبية واسعة كما تتمتع حكومة السيد نوري المالكي . وانتخبت هذه الحكومة وفق المعايير المتعارف عليها في البلدان المتقدمة والمتحضرة وشكلت وزارة على اسس الاستحقاقات البرلمانية وليس على مبدأ المحاصصة الطائفية .
فبقاء الحكومة او زوالها لا ياتي من خلال تصريح رئيس حاقد لحزب طائفي يدلو بدلوه ضد هذه الحكومة ليس من منطلق الحرص على مصالح الشعب العراقي بل وفق ما تملي عليه قوى اقليمية لا تريد الخير للشعب العراقي .ورغم الشعبية الهائلة التي تتمتع بها حكومة المالكي فثمة تحديات وضغوطات داخلية واقليمية ودولية تواجهها الحكومة العراقية تتطلب وقفة متأنية لدراسة تلك التحديات.
فمن الناحية الداخلية ان بعض قادة احزاب الاقلية التي تنضوي تحت قبة جبهة التوافق بدأوا يعزفون على وتر القومية العربية والطائفية مستنجدين بقوى اقليمية حاقدة للسيطرة على الحكم مرة اخرى رغم ان هؤلاء اصلا يعتبرون دخلاء وضيوفا على اللعبة السياسية لانهم اقلية وليس لهم قاعدة شعبية في داخل العراق.
فهؤلاء الاقلية استغلوا الاوضاع الامنية المتردية التي وفرها لهم الارهابيون العرب وباتوا يتطفلون على الحكومة ويطالبون بحصة اكثر من وزنهم السياسي والديموغرافي مستعينين بامتدادهم الاقليمي العربي. فقادة هذه الاحزاب التي لا تمثل الا عشرة بالمائة من كل فئات المجتمع العراقي يعبثون بامن العراق ويدلون بتصريحات تنبعث منها رائحة الطائفية والفتن المذهبية الغاية منها اضعاف حكومة المالكي وجر بعض الانظمة العربية الحاقدة للمزيد من التدخل في شوون العراق الداخلية .
فعلى الصعيد الاقليمي ان بعض الانظمة العربية الشمولية الهشة التي تخشى الديموقراطية في العراق كرست كل اجهزتها الاعلامية الضخمة وحرضت عملائها في داخل العراق للايحاء بان حكومة المالكي غير قادرة على ادارة البلاد وهي على وشك السقوط .
فبلغ الامر لهذه الانظمة الطائفية ان تعلن جهارا نهارا بانها سوف تستخدم كل امكانياتها لتوتير الوضع في العراق ومنع الحكومة من تكريس سيادتها على كامل الاراضي العراقية . وفي هذا الصدد اعلن زعيم دولة عربية خلال اجتماعه بوزيرة الخارجية الاميركية السيدة كونداليزا رايس ان بلاده دفعت ابان الحرب الصدامية ضد الجمهورية الاسلامية اكثر من ثلاثين مليار دولار للنظام الصدامي المنهار لمواجهة ايران وحاليا مستعدة لدفع مائة مليار دولار لاسقاط حكومة المالكي .
وسبق لقادة هذا البلد الذي يمد الارهابيين السلفيين السفلة بالمال والاسلحة لزعزعة الاستقرار في العراق ان قدموا التماسا للادارة الاميركية لاستبدال حكومة السيد المالكي بحكومة ذات توجهات طائفية وشوفينية تضمن استمرار حكم الاقلية في العراق.
وكانت هذه الدولة قد استخدمت كل امكانياتها المالية والاعلامية للمحافظة على حكومة فؤاد السينورة في لبنان لانها ذات توجهات سنية تحول دون تعزيز نفوذ الشيعة في لبنان. ولهذا السبب بات الرئيس الاميركي جورج بوش يتخبط في توجهاته السياسية في العراق مما دفعته الى ان يدلو بتصريحات متناقضة ازاء حكومة المالكي .فتصريحات بوش وبعض قادة الانظمة العربية تاتي من منطلق عدم معرفتهم بالنسيج الاجتماعي والطابع الديني في العراق . فهم يتهمون حكومة المالكي بانها لا تتمتع برصيد شعبي رغم ان هذه الحكومة تمثل ثمانين بالمائة من شرائح المجتمع العراقي .
فالسؤال المطروح هو انه كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة الغريبة التي تنظر الى الحكومة اللبنانية على انها حكومة ذات قاعدة شعبية رغم معارضة اكثر من سبعين بالمائة من الشعب اللبناني لهذه الحكومة في حين تنظر الى حكومة المالكي بانها لا تتمتع برصيد شعبي رغم انها تمثل ثمانين بالمائة من المجتمع العراقي ؟.
فهذه الازدواجية في التعامل تدل على ان الديموقراطية وحكم الاغلبية والانتخابات الحرة والنزيهة ليس لها محل من الاعراب حينما تقتضي المصالح الاقليمية والدولية وبالتالي هذه المصالح تتغلب على كل المفاهيم والاسس التي وضعت من اجل مصلحة الشعوب.
ولكن رغم كل التحديات والضغوطات التي تواجهها الحكومة العراقية المنتخبة ستبقى هذه الحكومة صامدة وقوية تقف في مواجهة كل العواصف الهوجاء لانها ترتكز على قاعدة شعبية والتحالف الاخير بين الاحزاب الشيعية والكوردية جاء ردا منطقيا على التهديدات الخاوية التي يطلقها قادة الاقلية بين حين وآخر ضد حكومة السيد نوري المالكي .
حسن هاني زاده – صحفي ايراني
https://telegram.me/buratha