( بقلم : علي حسين علي )
في معظم مجالس النواب في الدول الديمقراطية، يعمل ممثلو الشعب ان كانوا من الموالاة ام المعارضة، على اولوية الاهتمام بمصالح الشعب قبل كل شيء، على اعتبار ان النائب لم يعد يمثل الحزب الذي ترشح او فاز على لائحته بل هو يمثل الشعب بكليته، ولم يعرف تاريخ البرلمانات في العالم الديمقراطي أي صراع على قضية او معالجة تعود بالمصلحة على الشعب.. فالاحزاب تتصارع وتتدافع وتتخاصم على كل شيء باستثناء مصلحة شعوبها، وهي التي لا تخضع للمزايدات او تستغل لمصالح هذا الحزب او ذاك المكون السياسي المعارض.ولعل ما هو اعظم من ذلك ان النائب هناك يتخلى عن مناطقيته ويعطيها المرتبة الثانية بعد ولائه للشعب في كل ارجاء وطنه.. وطالما سمعنا وقرأنا بيانات وتصريحات العديد من النواب في البرلمانات الاجنبية وقد استداروا فيها عن شأن مناطقي او حزبين منفصلين المصلحة العامة عليها..
الا ان الحال غير ما هو معروف او متعارف عليه في مجلسنا النيابي، وقد تكون قصر مدة تجربتنا النيابية او ثقافتنا الديمقراطية عذرا لسلوك بعض نوابنا المنافي لمصالح الشعب، ولكن هذا لا يكفي لأن يصير الحال الغريب هذا سلوكا دائما، ونحن هنا لا نستنكر الاختلاف في وجهات النظر او في توجهات بعض الكتل النيابية السياسية او الاجتماعية، فهذه الحالة هي اثراء للعملية الديمقراطية وتكريسا لها، لكن ما هو مرفوض ان يعمد بعض النواب او بعض الكتل الى تعطيل جلسات مجلس النواب لأغراض فئوية او ذاتية تتنافى ومصلحة الشعب التي اقسم النواب على خدمتها والدفاع عنها والتضحية بالحياة من اجلها.
فما يجري في مجلس النواب منذ بضعة اشهر وحتى الان غريبة ومستهجنة شعبيا، فقد استغلت –وللاسف الشديد- بعض الكتل النيابية الحاجة الى وجودها للتصويت على قوانين تهم الشعب اسوأ استغلال، ونَحتْ نحو الابتزاز والمتجارة بمواقفها، فغالبا ما تضع شروطا ثقيلة على الاخرين للتصويت على هذا القانون او ذاك، وكأنها تمارس عملية بيع وشراء في الاسواق التجارية!.وليت هذا وحده يكفي تطلعات بعض الكتل النيابية الابتزازية، بل هناك ما هو اسوأ منه، فقد اتجهت تلك الكتل الى عرقلة العملية السياسية برمتها من خلال وجودها في البرلمان وفي حكومة(الوحدة الوطنية)! وصارت تعارض اشد المعارضة ومن اجل المعارضة ما كانت قد التزمت به كتابيا او شفاهيا قبل ان تدخل في الوزارة او تتولى مناصب حكومية من الدرجة المرموقة!.
هذا السلوك غير المنطقي وغير المعقول لا ينبغي السكوت عليه وترك الحبل على الغارب للذين يريدون ان يأخذون ولا يعطون شعبهم حقوقه، مع انهم ما جاءوا الا لخدمة هذا الشعب. نعتقد ان على القوى الوطنية والكتل النيابية المؤمنة والمخلصة للعراق الجديد ان تعالج هذا الداء الوبيل وتقطع الطريق على السائرين فيه، وتتوصل الى صيغة تجعل من استغلال الاقلية للاكثرية امرا صعبا، فكما اننا نرفض هيمنة الاغلبية وتهميشها للاكثرية، فإننا نستهجن ديكتاتورية الاقلية وابتزازيتها ايضا.
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)