( بقلم : علي جاسم الغانمي )
القضية المطروحة الآن أمام القضاء العراقي وهي قضية وزير الثقافة اسعد الهاشمي ليست بالقضية السهلة أو الهينة بل على العكس من ذلك فهي قضية صعبة وشائكة وحساسة نظرا لما يتمتع به طرفا القضية من مكانة سياسية وحصانة دستورية فالطرف الاول (المدعي) هو نائب برلماني في حين ان الثاني (المدعى عليه) هو وزير ،وبسبب حصانتهما السياسية والدستورية فأن ذلك يشكل حساسية اكثر بالنسبة لتنفيذ القانون وتطبيق اجراءاته وآلياته فلو كان الطرفان المتنازعان شخصين عاديين وبسيطين لما كان ممكنا ان تحدث هذه الضجة أو كثر السجال والجدال أو كتبت هذه السطور حتى .
والمهم في هذه القضية أمران الاول هو نوع التهمة وطبيعتها وهي الاعمال الارهابية والقتل العمد وادارة عصابات ومليشيات ،اما الامر الثاني فهو عمل ووظيفة المدعى علية الهاشمي الذي يشغل منصب وزير (ثقافة) وبالطبع حين يكون سياسي ما وزيرا للثقافة فأن ذلك يعني امتلاك هذا السياسي (الوزير) قدرا كبيرا من الثقافة والعلوم والمعارف والاداب المتشحة جميعها بأخلاق عالية تمكنه من ادارة وزارته بنجاح لأنها مسؤولة عن أكبر شريحة من المثقفين والمبدعين من ادباء وشعراء وفنانيين ورسامين وتشكيلين وموسيقيين ومؤلفين وكتاب ورواة وقصاصين ونقاد وغيرهم الكثير ممن قد قضى عمرا طويلا من حياته في تكوين شخصيته الثقافية والادبية وأقصد من هذه الاطالة ان الفرد عندما يكون وزيرا لهذه الشريحة الواسعة فأن ذلك يضعه تحت مجهر المراقبة والتامل لأداء وزارته وللمساءلة والمحاسبة والنقد اللاذع في حالة التقصير فكيف الحال إذا ما كانت التهمة الموجهة اليه هي ازهاق الارواح والانفس وليس كما نسمع يوميا مجرد تهم السرقة والفساد الاداري والمالي والاختلاس والتلاعب بالاموال العامة التي أصبحت غاية يجب تحقيقها لدى جمع غفير من المسؤولين ما ان يتسلموا مناصبهم .
هذه التهمة من الطبيعي جدا ان تصاحبها هذه الضجة الاعلامية والسياسية لأنه كما قلنا فان صاحب الامر وزير وليس فلاحا او عامل بناء وعندما يكون الوزير عراقيا فذلك يعني ببساطة انه ينضوي تحت كتلة سياسية وينتمي الى حزب أو حركة لها عدد من المقاعد البرلمانية والوزارية بسبب المحاصصة السياسية والطائفية التي فرضتها الاحزاب الرئيسة على رئيس الوزراء عند تكوين وتشكيل حكومته .هذه المحاصصة هي السبب الاكبر في اثارة الضجة السياسية الحالية لأن الكتل –بصورة عامة- سوف لن تتهاون أو تتعاون مع قضية كهذه أو غيرها من القضايا حتى وان كانت القضية سهلة جدا وواضحة جدا بسبب التحسس من كون هذه الكتلة أو هذا الحزب هو المستهدف وليس صاحب الشأن (بسبب طائفية وعنصرية الكتل والاطراف الاخرى !!) وهذا بالطبع سببه ضعف الثقافة السياسية وقلة الرصيد الديمقراطي وتقديم الانتماء السياسي والمذهبي والطائفي على الانتماء الوطني وهنا تكمن الطامة الكبرى لأننا حينها سوف لن نتمكن من محاسبة المقصرين والمهملين من مسؤولينا لسببين الاول هو الانتماء السياسي وما يمكن ان تدور حوله من مجاملات سياسية ،والسبب الثاني هو ما يمتلكه المسؤول من حصانة برلمانية ودستورية تتيح له فعل ما يشاء دون ان يتعرض للمساءلة والمحاسبة .الحكومة من جهتها خيرا فعلت عندما رفضت التدخل سلبا أو ايجابا في حيثيات القضية تاركة الامر للقضاء ليقول كلمته الفصل ولتعلن ان لا أحد فوق القانون ولتوضح من جديد ان السلطة القضائية هي الاعلى والاهم في الدول الديمقراطية.
كما انه جدير بالذكر ان بعض الشخصيات المتسترة بالغطاء السياسي والحزبي قد حاولت اثارة زوبعة اعلامية وسياسية حول هذه القضية لا لسبب إلا من اجل تغطية نشاطاتها الارهابية والاجرامية للاستمرار بسياسة السلب والنهب مستغلين الحالة الامنية التي يعاني منها البلد فحاولوا جاهدين عبر قنواتهم الفضائية ووسائلهم الاعلامية بخلق فوضى ومحاولة عرقلة تنفيذ القانون وتعطيل تطبيقه بينما في الامس القريب قد ضربنا مثلا لسياسينا يمكن ان يقتدوا به لو ارادوا فعلا ان يصححوا اخطائهم وليجعلوه معيارا نصب أعينهم في مسارهم وأداءهم الحكومي حين أقدم وزير الزراعة الياباني على الانتحار بسبب فضيحة سياسية هي أقل بكثير من التي بين أيدينا الآن ومما لا نعلم أو يخفيه لنا القدر من بعض المسؤولين الآخرين فالوزير الياباني قرر ان يعاقب نفسه على خطئه ولم يحتمل الفضيحة والمحاسبة فأتخذ قراره معترفا بذنبه وهنا لا أدعو الوزير الهاشمي للانتحار بل الى مواجهة القضاء العراقي وتنفيذه سواء كان مذنبا أم لا ، ليكون قدوة في تطبيق القانون وعدم مخالفته أو التجاوز عليه واهماله ليكون بحق وزيرا ثقافيا.
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)