المقالات

تاريخنا المجيد ليس تاريخنا !


بقلم : علاء الزيدي

زعق بي معلم التاريخ في الصف السادس الإبتدائي " عباس ديوان " صابـّا ً لعناته المتتالية على رأسي :- لك شنو " إبن حَسْنـة " .. قابل هو زعطوط مثلك يلعب وياك ؟!

هذه الغضبة المُضَرية لم تصدر عن إنسان غارق في الورع والتقوى ، بل عن شخص كان مخموراً على الدوام ، حتى في صفوف الدراسة ، التي لم يكن يتورع عن ملء أرضياتها بالبصاق ، بين لحظة وأخرى ، دون اهتمام بنفسيات التلاميذ الصغار وصحتهم وتربيتهم ، ناهيك عن رائحة العَرَق " المْسَيـَّح " الرديء التي كانت تفوح من فمه ، وهو يدرِّس هؤلاء الصغار المساكين " تاريخهم " المجيد !

كل ّ جريمتي أنه سألني عن اسم ذلك الصحابي الذي " فتح " تلك البلاد ، فأجبت بأنه " شـرحبيل بن حَسْنة " – بتسكين السين وليس فتحها – ولم تكن تلك غلطتي . فاسم الصحابي إياه لم يكن مُشكـّلا ً ( مُحَرَّكا ً ) في كتاب التاريخ من الأساس . كما إن أحدا ً من أهلي وأفراد عائلتي وجيراني ومعارفي وأقاربي لم يكن يعرف هذا الصحابي ، ولم يرو ِ لي أحد أية قصة أو حكاية عنه .

تفتح هذه القصة أذهاننا على حقيقة مرة . و هي أن تلاميذنا وطلابنا يدرسون تاريخا ً ليست لهم علاقة به ، وشخصيات لايعرفونها ، وأحداثا ً لاتدخل في صلب اهتماماتهم أو تمثـّل شيئا ً مؤثرا ً في حياتهم الراهنة .وإذا سألني سائل عن سبب هذا التخبط ، رددت على الفور بأنه المفكر السوري-التركي ساطع الحصري . فقد استـُقدِمَ هذا الرجل إلى العراق إبـّان تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن الماضي ، لوضع مناهج تتواءم وطبيعة تفكير المؤسسة الحاكمة ذات الرموز المستوردة ، ومن الطبيعي أن يفصـِّل الرجل مناهج على مقاسات السلطة ، التي لاتني تفتخر بكونها ممثلة أو وريثة شرعية لما تسمى بالثورة العربية الكبرى المنطلقة من الحجاز بدعم أوروبي أو بريطاني تحديدا ً . ومن هنا ، جاءت مناهج ساطع الحصري الدراسية مختصرة وموجزة لطبيعة تفكير السلطة الحاكمة آنذاك ، وهي سلطة عروبية لاعراقية و ذات قشور إسلاموية سنيـّة ، وكذلك أضفى الحصري المعبـّأ بالكراهية الطائفية التاريخية ، العثمانلية والشامية الأموية ، على تلك المناهج أبعادا ً أشد ّ طائفية ً وعنصرية ، وهكذا فقد جاءت المناهج غريبة عن واقع وتاريخ وطبيعة تفكير وتراث الغالبية من العراقيين . وربّما أمكن تلمـّس هذا الأمر بوضوح حتى في كتب القراءة للصفوف الدراسية الأولى في الإبتدائيات العراقية . فمن المستحيل أن تجد في هذه " القراءات " أسماء للشخوص تحاكي الواقع العراقي . ففي الوسط والجنوب ( وهو الشطر الأعظم من العراق ) تشيع أسماء مثل علي وحسين وحسن وعبد الحسين وعبد الحسن وعبد الكاظم وإلخ ... لكنك لاتجد في كتب القراءة إلا أسماء قدري ورازي ودينا ونازدار . ولو سلـّمنا بأن قدري من أصل تركي ودينا مسيحية ونازدار كردية فهل سمعت بعراقي اسمه رازي أو بازي ! إنها الطائفية والشوفينية العمياء التي تسللت حتى إلى التمثيليات والمسلسلات في العهود المقبورة ، حيث لتجد كل الأسماء الغريبة إلا أسماء غالبية العراقيين !

كان ساطع الحصري كتلة من المقت لكل ماهو شيعي وجعفري ، لذلك جاء تاريخنا وجغرافيتنا وحسابنا وكتابنا غريبة عنا وعن رموزنا الحقيقية التي نشأنا وشببنا على احترامها ورضعنا تقديرها وتكريمها مع الحليب . لاحظ مدى كراهية الحصري لنا من المثال التالي :يذكر الصحفي العراقي الرائد رفائيل بطي في مذكراته التي جمعها وحققها نجله الدكتور فائق بطي تحت عنوان " ذاكرة عراقية " ( المدى ، ج1 ، ط2 ، ص 61-62 ) أن ساطع الحصري مدير المعارف العام يومذاك كان يمارس سلطة دكتاتورية في وزارة المعارف ، وحينما تم افتتاح كلية الحقوق ببغداد وتقدم إليها المئات من خريجي المدارس الخاصة الذين يحملون " تذاكر تصديق " تؤكد أن شهاداتهم تعادل الشهادة الثانوية ، ومنهم خريجو المدرسة الجعفرية في بغداد ، رفض الحصري التركي- السوري هذه التذاكر وركب رأسه معاندا ً حتى تدخّل البلاط الملكي وحسم الأمر بقبولها . ويضيف بطي بأنه كان يحمل أيضا " تذكرة تصديق " من أحد الآباء الدومنكيين تشهد بأنه أنجز دراسته في مدرسة الآباء الدومنكيين في الموصل ، فقصد الحصري سائلا ً إياه تقديره لتلك الشهادة ، فقال الحصري بملء فمه :- إن التقويم العثماني الذي على منضدتي لسنة 1914 يعد ّ مدرسة الآباء الدومنكيين في الموصل من بين المدارس الإعدادية الراقية ذات الصفوف العشرة .ويقول الراحل رفائيل بطي إن روعه هدأ بهذا الجواب وخرج من مكتب الحصري غانما ً !إذن ، فسورة غضب الحصري إزاء " تذاكر التصديق " كانت مجرد مسرحية لمنع الشيعة الجعفرية من الوصول إلى دكـّة القضاء والمحاماة !

بهذه العقلية الضيقة وضعوا لنا المناهج الدراسية ، ولولا دم قلوبنا الذي صرفناه على شراء الكتب المتنوعة ، رغم فقرنا المدقع في الوسط والجنوب ، ونحن نعوم على بحار النفط التي كان ومازال يتنعم بملياراتها غيرنا ، ولولا المنابر والمجالس التي أنارت لنا الدروب المظلمة ، لخرجنا إلى دنيا العمل والحياة لانفرق بين الناقة والجمل كما كان شعب معاوية بن أبي سفيان !

لذلك ، فمن المهام الضرورية بعد توفير الأمن وتوفير المتطلبات الحياتية الأساسية للناس وإعادة الهيبة القانونية لا القسرية والتعسفية إلى الدولة ومؤسساتها ، إعداد ووضع مناهج دراسية منسجمة مع واقع الناس وتاريخهم الوطني الحقيقي . فربما كانت دراسة حياة وسيرة مناضلين وطنيين مثل يوسف سلمان يوسف " فهد " ومحمد سعيد الحبـّوبي وشعلان أبو الجون وغيرهم أهم ّ ألف مرة من دراسة شخصيات وهمية صنعتها الشوفينية والطائفية ، في محاولة منهما لتزيين وتجميل حقب الغزو والهيمنة الأجنبية .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك