د. سيف الدين زمان الدراجي *||
" بإمكانك أن تبدأ الحرب متى شئت، ولكنها لن تنتهي متى شئت"
نيكولا ميكافيللي
يعيش العالم اليوم حالة من القلق و الترقب في ظل استمرار العمليات العسكرية و تنامي حدة الصراع في أوكرانيا.
روسيا بوتين ترفض محاصرة الناتو لها، ودخول دول مجاورة في منظمة حلف الشمال الاطلسي باعتباره تهديدا لأمنها القومي، إلا أنها تواجه ردود فعل غاضبة على خلفية أجتياحها لأراضي جارتها الاوكرانية.
مقاومة عنيفة وحرب اقتصادية اطاحت بالروبن الروسي إلى أدنى مستوياته، هي انعكاسات الازمة منذ انطلاق العمليات العسكرية حتى الأن.
في خطوة غير مسبوقة وفي تصريح لم نسمع له مثيل منذ نهاية فترة الحرب الباردة، لوح الرئيس بوتين باستخدام ترسانته النووية بعد ما وضع قوات الردع النووي الاستراتيجي في حالة تأهب قصوى. وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى إعلان وضع منظومة الردع النووي الأطلسي في حالة تأهب قصوى أيضا. الأمر الذي اعتبر الأمين العام للامم المتحدة أن التفكير بموجبه في نزاع نووي "هو ببساطة امر لا يمكن تصوره".
لم يشهد العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أي استخدام للاسلحة النووية حتى بعد أن كادت أزمة كوبا أن تفجر صراعاً نووياً بين قوى عظمى في ستينيات القرن الماضي.
لقد إعادة الأحداث الجارية والحرب الروسية في أوكرانيا الجدل حول نظرية الردع النووي، مذكرة القادة الدوليين بأن الحد من مخاطر الأسلحة النووية يجب أن يظل أولوية قصوى على جدول الأعمال العالمي، كما أنها إعادة إلى الأذهان أيضا سعي الدول الى امتلاك الأسلحة النووية في سباق التسلح الذي أعقب فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما أطلق عليه إصطلاحاً أثناء فترة الحرب الباردة بمبدأ توازن الرعب.
وفقا لنظرية الردع، فإن امتلاك الأسلحة النووية هدفه ثني الحكومات الأخرى عن استخدام اسلحتهم النووية من خلال التهديد بالانتقام وفي بعض الحالات التدمير المؤكد المتبادل.
أن استراتيجية الردع النووي تهدف إلى التأثير على سلوك الدول المعادية الاخرى وعدم تشجيعها على اتخاذ قرار عسكري بشن هجوم نووي من خلال طرح استراتيجية هجومية لاهداف دفاعية، معتمدة بذلك على التلويح و المناورة والتهديد باستخدام السلاح النووي.
اما سياسة توازن الرعب، فانها تفترض بأن وجود أقوى الأسلحة لاسيما النووية منها يدعم نوعا من السلام ويدفع الدول إلى احتواء حروب محددة، حتى لا تسمح بتطور الصراع في حروب مدمرة نووية لا منتصر فيها.
على الرغم من أن نظرية توازن الرعب و فلسفة الردع النووي لا زالت من أهم المقررات الاستراتيجية التي أثرت وعززت مفهوم الفكر الاستراتيجي الحديث، إلى أنه في خضم اتساع رقعة الصراع بين الغرب وروسيا في ظل تنامي أزمة الحرب على اوكرانيا لم تعد لتشكل عائقا أمام التلويح والتهديد باستخدام الأسلحة النووية من قبل الأطراف المتصارعة.
ان الصراع الأيديولوجية والعسكري القائم في ظل التنافس الجيوستراتيجي والرغبة في فرض الإرادات التي تميزت بحالات من التوتر والتهديد الناتجة عن سياسة سباق التسلح المُنتهجة من قبل القوى المتضادة، ستدفع باتجاه العودة إلى فترةالحرب الباردة بين قطبي النظام العالمي، إلا أنها لن تنتهي بتفكك احد القطبين هذه المرة، بل أن استمرار الضغط بشكل لا يسمح للآخر بمساحة مناسبة للتراجع قد يدفع نحو تحقيق سيناريو الوصول إلى حالة من التضعضع في النظام العالمي و ضعف تماسكه وتشكيل حالة من اللاإستقرار في نظام دولي متفرد القوى، وضغوطات سياسية و مالية واقتصادية وعسكريه وفق مصالح حيوية واستراتيجية لدول على حساب أخرى - وهو ما يعزز ما ذهب إليه رواد نظرية العلاقات الدولية الواقعية قبالة رواد ومؤيدي الليبرالية - وقد يفضي ذلك لتصادم مسلح وحرب تدميرية.
أن السعي لإنهاء الحرب وإنجاح جولات التفاوض سيحد من تطور الأحداث وخروجها عن نطاق السيطرة وتحولها الى حرب نووية لن تجلب الا الدمار والفوضى للعالم أجمع دون إستثناء.
*باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha