( بقلم : علاء الموسوي )
فقدت الاوساط العلمية والادبية في عموم عالمنا العربي علما من اعلامها امس في بغداد ، وهو المؤرخ والاديب والعلامة الكبير حسين علي محفوظ . اذ توفي شيخ بغداد امس في مستشفى ابن البيطار عن عمر ناهز 83 قضاه في الادب والفكر والثقافة. والعلامة الدكتور حسين علي محفوظ من مواليد مدينة الكاظمية ببغداد العام 1926 وهو من قبيلة بني اسد ونال شهادة البكالوريوس العام 1948 والماجستير (آداب) العام 53 فيما حصل على دكتوراه الدولة في الادب المقارن العام 1955 والتحق بالتدريس في دار المعلمين العام 1956.
له ما يزيد على 1500 كتاب ورسالة ومقالة تأليفاً وتحقيقاً وترجمة في مختلف مواضيع الثقافة والادب. وله عشرات البحوث والكتب التي اغنى بها المكتبة العربية من بينها (الفارابي في المراجع العربية)، و(خزائن كتب الكاظمية)، و(مصادر في تراث البحرين)، و(درس الفلسفة).. فضلا عن انه قام بتحقيق عدد من المخطوطات النادرة وترجمتها، اذ يعد من المولعين بدراسة التراث الاسلامي ومن كبار المعنيين والمتخصصين بحفظ الوثائق والتعامل معها. وقد عاصر الفقيد (رحمه الله) كبار علماء ومثقفي وأدباء عصره، ومن اقربهم إلى نفسه عالم الاجتماع العراقي الابرز د.علي الوردي، الذي يمت له بصلة قرابة. كان لي الشرف ان ازوره في بيته البغدادي في كل شيء، بحديقته الفارهة والجميلة، والمطرزة باقلام الورد والياسمين، يملؤها صياح الديكة التي ما انفكت عن تسبيحها المترنم بمقامها البغدادي كما يصفها الفقيد (رحمه الله). لايقل حسين محفوظ قيمة بتراثه الفكري والادبي عن نظرائه في اعمدة الادب العربي ، كامثال نجيب محفوظ وطه حسين ومصطفى جواد…. بل يتعداهم في تراثه الغزير بالمعرفة الفكرية وعطائه الثر، الذي لم يمنعه وهن جسمه وكبر سنه عن العطاء والاهتمام بالساحة الثقافية التي لم يكن راضيا عنها قبل ان يأفل نجمه عنها.
فقد اسس العديد من المجالس الادبية والثقافية ومنها مجلس ادبي خاص به، يلتقي فيه المفكرون والاساتذة والمثقفون كل يوم جمعة في منزله بمنطقة العطيفية. اذ كان يأنس بزيارة المثقفين والادباء والاعلاميين له في داره، وكان اول ما يبادر بسؤاله عن جل اهتمامهم ومشاريعهم في دعم الثقافة العراقية، والتي كان يرى بان الفرصة سانحة لاجيال اليوم في انتشال واقع الثقافة التي عانت البطش والتهميش في عهد النظام المباد. شموخ المعرفة وادب التواضع ورحابة الصدر وسعة الافق.. صفات جسدها (عاشق بغداد) العلامة المحفوظ ، والذي دائما ما كان يعرف نفسه بهذا اللقب حين نسأله عن بغداد وهمومها الثقافية والادبية. كان المحفوظ يحب السماع اكثر من التكلم.. وحين يتكلم يختصر المعلومة باشارات دقيقة تصدر عن عقلية واسعة الاطلاع والمعرفة والتجربة الميدانية في كل شيء.
حين طلبت العون منه في المشاركة باحدى الفعاليات الثقافية المهمة في الوسط الادبي والثقافي، لم يتوان عن المشاركة قيد انملة، بل استماحني العذر في عدم قدرته في التحرك الى مكان انعقاد الهيئة المعدة لذلك البرنامج، مختصرا ذلك بقوله ( اني بالخدمة ). مباركا اي حراك يصدر من اية جهة راعية لواقع الثقافة العراقية المهضومة من قبل القائمين عليها.. نأمل من الحكومة وهي تعاني اليوم من تهميش وزارتها والقائمين عليها في واقع الثقافة العراقية اليوم، ان تعمل على توثيق ذلك التراث الحيوي والفاعل في الادب والفكر لدى الفقيد الراحل، وان تعمل على انشاء مهرجان ثقافي يحتفي بالقيمة الثقافية لهذا الرجل، لكي تخلد ذكرى علمائها واعمدة ادبها وتراثها الشعبي الثر، مقارنة ببقية الدول الراعية للمثقفين العراقيين قبل الحكومة نفسها ـ على اقل تقدير ـ .
https://telegram.me/buratha