المقالات

المرجعية الدينية العليا وملامح الشخصية العراقية ...

1835 2019-09-28

حسين فرحان

 

ما أجمل أن يكون الإنسان منصفا، وهو ينظر بعين العقل إلى جهة تدعوه إلى الاعتزاز بانتماءه لوطنه دون أن تنظر إلى سائر انتماءاته الأخرى او اتجاهاته، فتجعلها حائلا بين هذا النصح وبين المستهدف به .

لم يشهد التاريخ العراقي جهة تنظر للعراقيين على حد سواء، كما شهده في هذه الفترة أي منذ عام ٢٠٠٣ لغاية اليوم، حيث برزت مرجعية النجف الأشرف يتزعمها الإمام السيستاني، فأخذت على عاتقها حمل الأعباء الكبيرة التي أثقلت كاهل هذا الشعب الغارق بالهموم، إذ قضى ما يكفي من الضياع وسط فوضى ودمار خلفته حماقات الانظمة الحاكمة المستبدة التي تداولت السلطة بأساليب الانقلابات والانتقام والمؤامرات والتبعيات المخزية أو التنازلات المخجلة، حيث ظهرت إمارات التمييز واضحة طيلة تلك الفترات، مما أدى إلى فقدان الهوية العراقية الوطنية الواحدة التي لاتداهن ولا تخضع لأن سلطة حاكم قد ميزتها عن غيرها، فلم يعد يهمها الأقران والشركاء في هذه الأرض خشية تضرر مصالحها أو خسارة امتيازاتها .

فكان للقومية اتباعها .. وللطائفية طلابها وللحزبية النفعية روادها وللأقربين في خضم ذلك نصيبهم، تحدوهم  - جميعا - تلك المنافع الى عدم الالتفات إلى ما يلقاه شركاء الوطن من ضيم وضياع بسبب استقلالية توجهاتهم، حيث اتبع الطغاة مبدأ ( فرق تسد ) فصارت الحاشية صاحبة الامتيازات هي المعول عليها في ديمومة هذا الحكم أو ذاك وهذه السياسة أو تلك، لتخلق هذه الحالة نموذجا لمواطن ينتمي للأجندات دون الوطن، فلم نجد له وصفا أكثر دقة من كونه ( ذيلا ) .

هذه الذيلية وهذه التبعية هي العلة في عدم تقبل أية فكرة إصلاحية ينتفع بها الجميع، فهذه الذيول أن انفصلت عن مؤخرات قادة الاجندات ( الداخلية والخارجية ) فأنها ستخسر امتيازاتها ولن ينفعها - بحسب قناعاتها - أن يكون لها جزء من الرغيف وقد اعتادت على رغيف مكتنز ساخن ممتليء .

في ١٣ / ١٠ / ٢٠١٧ كانت خطبة الجمعة ومن على منبر الصحن الحسيني الشريف وهي تنتقد ظاهرة التبعية المقيتة فكانت هذه الكلمة : ( بعض الناس لا يمكن ان يكون الا ذيلا ً) .. كانت الخطبة تتحدث عن مصلح يدعو إلى أن يمتلك الانسان شخصيته وكيانه وتحدثت عما يتعرض له المصلح من هجمات كبيرة لأن فكره ومنهجه الاصلاحي سيحول بين هذه الذيول وبين مصالحها .

المجتمع العراقي .. عاش بعض أبنائه هذه الحالة - حالة التبعية للآخر - لأسباب عديدة منها ماهو مفروض بسبب وحشية الأنظمة السابقة، ومنها ماوفرته تلك الأنظمة من امتيازات، ومنها أن جهل البعض قد صور له صدق نوايا تلك الأنظمة فقادته السذاجة للانتماء إليها والاعتقاد بها .

لم تخل السنوات التي اعقبت سقوط النظام البائد من نماذج جديدة للذيول أو الاذناب، ولم تختلف اساليب استقطابهم كثيرا عن اساليب الانظمة السابقة، رغم اتخاذها اشكالا متعددة، فحققت ألازمة الطائفية أرقاما كبيرة لدعاتها، وحقق الحراك الحزبي أرقاما لاتقل شأنا عن سابقتها، وحققت الأجندات الأقليمية في دوائر صراعات السلطة والنفوذ في المنطقة والتي تقاد بمسميات طائفية وعناوين مقدسة أرقاما كبيرة من المنخدعين بها، حتى أفقدتهم الشعور بأولويات انتماءهم وأولويات اهتمامهم، أضف إلى ذلك النزعات الانفصالية وأزمة الثقة ورواسب ومخلفات الماضي، كل ذلك أدى إلى قتل الروح الوطنية لدى البعض، فأصبحوا المصداق الكبير لمصطلح ( الذيل أو الذنب ) .

أرادت المرجعية العليا حين طالبت وأصرت على كتابة الدستور بأياد عراقية تشمل كل المكونات أن تخلق تلك الشخصية العراقية المستقلة .

أرادت المرجعية العليا حين أفتت بالدفاع عن العراق- دون تحديد مكون معين - أن يقف الجميع في خندق واحد وأن تتشكل تلك الشخصية العراقية المستقلة، لذلك ينبغي أن ندرك حقيقة تاريخية مهمة ربما لم تتضح للبعض هي أن لتبعية البعض عواقب وخيمة وآثار سيئة تعيق عمل أي جهة تسعى للإصلاح وأنها سبب رئيسي لهذا الفساد وهذه الفوضى التي لايحق للأذناب انتقادها أو التذمر منها، لأنهم ركن من أركانها، وما نجاح المشروع الإصلاحي الذي تطمح إليه المرجعية العليا إلا بتخلي هؤلاء عن تبعيتهم والالتفات لوطنهم لاغير، فالعراق حقيقة وسائر الأجندات ماهي الا قبض الريح وباطل الأباطيل، وإن اتخذت عناوين براقة لم يلتفت إليها ولم يعتني بها من حافظ على استقلال شخصيته طيلة العقود الماضية .

..............

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك