بقلم: واثق جبار عوده-السويد
اتابع الاخبار القادمه من محافظه المثنى- السماوه بخصوص جامعتها الفتيه جامعه المثنى في حيره واستغراب. الاستغراب ليس من باب الانتقاص من هذه الجامعه بل قادم من خلفيه تجربتي السابقه كوني كنت ضمن الكادر التدريسي في معهد السماوه حينما لم يكن سواه في المدينه مدرسا لماده الاحياء المجهريه الطبيه في القسم الطبي قبل اكثر من اثني عشر عاما.
كان المعهد حينها في اعتقادي غير مؤهل لتخريج كادر فني ممكن الاعتماد عليه في ادامه عجله البناء الوطني. ورغم كل تلك التصورات التي كنا نحملها كان لزاما علينا في نهايه العام الدراسي ان يجتاز الامتحانات النهائيه اكثر من تسعين بالمئه من الطلاب في الدور الاول . اما الطلبه العشره بالمئه الباقون لابد ان يجتازوا امتحانات الدور الثاني لتكون نسبه النجاح مئه بالمئه. المساله لا تحتاج الى تامل او تفكير عن السبب في اصرار رناسه هيئه المعاهد الفنيه على تشددها في نجاح الطلبه وبالكامل. السبب يكمن في ان السيد رئيس هيئه المعاهد الفنيه الدكتور مازن والذي نسيت اسم والده يرغب برفع برقيه الى القائد والاب المناضل الضروره صدام حسين يهنئه فيها ان ابناءه من الطلبه الاغيار قد اجتازوا الامتحانات النهائيه وبنسبه مئه بالمئه.
امام هكذا توجهات ومهازل كانت تجربه مريره عشتها كتدريسي في المعهد الفني في السماوه وانا القادم حديثا من مرحله الماجستير في علم المناعه والتي لم اجتازها الا بشق الانفس وبسهر الليالي. فبعد عام واحد فقط كان قرار الطلاق بالثلاث مع التدريس في العراق.
كان اعتقادي ان ما نلته من تعليم من دخولي في مجال البحث العلمي في مختبرات كليه العلوم في الجامعه المستنصريه خلال سنتي الماجستير والتي بدات في اواخر عام الف وتسعمائه واحدى وتسعون وانتهت في عام الف وتسعمائه وثلاث وتسعون كافيا ان اكون مؤهلا ان احمل لقب بايولوجي.
لم اكتشف ذلك الوهم حتي وصولي الى السويد حيث طرقب ابواب جامعه كوتنبورغ (ثاني اكبر الجامعات السويديه بعد جامعه استوكهولم). لاجد نفسي ان ما درسته اصبح شئ من الماضي وان الكتب والتي مازالت تدرس في العراق اصبحت نسخها الاصليه في الارشيف. وان هناك نظريات علميه عديده والتي مازالت تدرس في جامعاتنا دحضت. وان الطريقه الكلاسيكيه في تدريس البيلوجيا والتي ايضا لازالت تطبق في العراق الغيت.
وجدت شيئا اخر يخالف كل مادرسته في مرحلتي البكالوريوس والماجستير الا وهو ان التوجه اليوم في مجال البايولوجيا في عموم العالم نحو علوم الحياة الجزيئي الموليكولر بايلوجي. نحو دراسه الجينوم والبروتوم كل شئ لابد ان يعرج ويمر من خلال علوم الحياة الجزيئي. الكل اليوم مشغول في دراسه الجينات مجاميع بحثيه علميه عديده على راس كل منها بروفسور. كل مجموعه تتالف من البروفسور ثم استاذ مساعد مع مجموعه من حمله شهاده الدكتوراه بين ثلاثه الى خمسه يعملون وفق خطط البروفسور ثم ثلاثه الى اربعه طلاب دكتوراه مع ثلاثه الى اربعه طلاب ماجستير. هذه مجموعه علميه بحثيه قد عشت عالمها وكنت عضوا داخل احدها لادرس الماجستير من جديد ولكن من الصفر في اختصاص اخر هو الموليكولر بايلوجي.
ربما قد ابتعدت عن الموضوع الاساس والذي يتعلق بجامعه المثنى الفتيه ولكن للموضوع صله شديده بما ارغب ان اطرحه في سير الجامعه وخاصه افتتاح كليه للعلوم وطموحات بافتتاح كليه للطب وكليه للهنسه فيها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبالحاح كم هو التوجه اليوم في العراق للارتقاء نحو استخدام الطرق والوسائل الحديثه في العلوم التطبيقيه. والمثال هنا هو علوم الحياة الجزيئي والذي هو شئ مبهم للعديد من التدريسيين والطلاب في كليات العلوم في العراق وما يدرس في جامعاتنا بخصوصه سوى اثار من العلم وليس العلم بحد ذاته. مايدرس في اقسام علوم الحياة في كليات العلوم هي النظريات القديمه وتتم باستخدام طرق قديمه عفى عليها الزمن. على مدار الساعه الجامعات العالميه في سباق شديد ان لم ابالغ اقول عنيف نحو استخدام الجينات للبكتريا او الخمائر في صنع مواد بايلوجيه لها اهميتها الطبيه.
في الفتره التي كانت اقسام علوم الحياة في عموم العراق تناقش رسائل الدكتوراه في امور تخص علم النبات او الحيوان او الكائنات المجهريه بذات الاسلوب القديم الذي كان يمارس في سبعينات وستينات القرن المنصرم كانت اقسام علوم الحياة في جامعات الدول الغربيه تمنح درجات الدكتوراه في اكتشاف الخرائط الجينيه للكائنات. بدؤا في الخمائر فحددوا كل جيناتها ثم عرجوا على البكتريا وبعد ذلك الفئران والحيوانات الاخرى حتى الانسان.
اليوم هم مشغولون في كيفيه استخدام نتائجهم الهائله في كيفيه نقل جينات بشريه الى كائنات مختبريه لانتاج محاصيل هذه الجينات لاعطائها الى الاشخاص الذين يفتقرون اليها. هم استطاعوا اليوم نقل جينات من الخمائر الى البكتريا حيث ان محاصيل الخمائر تنتج من قبل البكتريا والعكس صحيح. نقل جينات بشريه الى الفئران او اللبونات الاخرى ودراسه محاصيلها ومقارنتها بالمحاصيل البشريه. جامعات العالم اليوم من استراليا الى امريكا تعمل على قدم وساق في نيل السبق والظفر في اكتشاف هائل كتوليد قلوب البشر على سبيل المثال في اجساد الحيوانات الاخرى. ثم نقل المنتج الى صاحب الجينات الواهبه والذي يعاني من خلل في القلب.
نظره بسيطه الى الكادر التدريسي في معاهدنا وجامعاتنا نجد ان جله من اولئك الذين نالوا شهادات الدكتوراه في جامعاتنا العراقيه وعلى ايدي اساتذه قد انقطعوا انقطاعا كاملا مع ماوصلت اليه العلوم اليوم من تقدم. فهم في تدريسهم لمراحل الدكتوراه يمارسون ذات الاسلوب الذي جبلوا عليه حينما نالوا هم بدورهم درجات الدكتوراه في سبعينات وستينات القرن المنصرم من جامعات غربيه. هذا الكادر التدريسي الضعيف والذي يملا اليوم معظم جامعاتنا الرئيسيه مرسوم له ان تخرج من تحت يديه الكوادر التي سوف تقود العمليه البنائيه والعمرانيه في العراق.
نتمنى ان تفتح جامعات عديده في العراق. واتمنى من كل قلبي ان ارى جامعه كبيره تحوى كليات الطب والهندسه والعلوم في مدينتي السماوه ولكن هذا تمنى والواقع شئ اخر. الواقع يقول من اين نوفر كادر تدريسي لهذه الكليات. هل نسير مع الخطا الفادح الى نهايته وان نستمر في تخريج اساتذه من حمله شهاده الدكتوراه من جامعاتنا العراقيه. اي جامعات هذه التي اساتذتها في واد والعلم اليوم يمارس في وادي اخر. كيف ناخذ بايادي طلبتنا الى مواكبه العلوم الحديثه والاستاذ يعيش في عالم السيتينات والسبعينات. اي طبيب سوف يعالج مرضانا واي مهندس هذا الذي سوف يرفع البناء في بلدنا النامي واي باحث هذا الذي مطلوب منه ان يرفد مؤسساتنا بنتاج ابحاثه.
ان الحل واضح والعلاج لايحتاج الى وقفه للتامل والتفكير. مثلما اليوم العراق يرسل وفوده لشراء سلاح من انحاء العالم ويرسل كوادره العسكريه لتواكب اخر طرق التدريب العسكريه والفنيه الحديثه مطلوب منه ايضا ان يفتح باب البعثات على مصراعيه لدراسه الماجستير والدكتوراه في جامعات غربيه والافضل الامريكيه. على وزاره التعليم العالي ان تصرف النظر عن فتح جامعات جديده او فتح كليات علميه في جامعات تم انشائها حديثا الى تنشيط البعثات العلميه. وحينما تفكر في فتح كليات للطب والهندسه والعلوم في جامعه السماوه مثلا عليها قبل الشروع في ذلك ان ترسل الكادر التدريسي في دورات لا تقل عن سنه دراسيه في جامعات غربيه ليضع الاستاذ قدمه على الطريق الصحيح وليعيش الوضع الحقيقي عن مدى تطور اختصاصه. حينها نكون واثقين ان البناء في العراق اساسه متين والعلم في طرقه ووسائله لايفترق عن ماموجود في مثيلاته في الدول المتطوره.
واثق جبار عوده-السويد (ماجستير في علم المناعه الجامعه المسنصريه)(ماجستير موليكولر بايولوجي جامعه كوتنبورغ السويد)
https://telegram.me/buratha