( بقلم : عبد الكريم الجيزاني )
من المفيد جداً ان يطلع الشارع العراقي على ماهية هذا القانون الذي أثيرت حوله العديد من الشبهات بقصد او بدون قصد وربما خدمة لأجندات خارجية لا علاقة لها بمصلحة الشعب العراقي، وهذا ما لمسناه في ازدواجية المعايير في التعاطي مع هذا القانون الذي لم يأت لتفريغ الارض من محتويات الثروة الوطنية وحرمان الأجيال اللاحقة من حقوقها فيها كما تدعي بعض الاوساط سواء في الداخل او الخارج.
ابتداءاً نحن لا نعتقد ان هناك عراقياً شريفاً ووطنياً مخلصاً يستطيع ان يفرط بهذه الثروة التي تعتبر عصب الحياة العراقية اقتصادياً، ولذلك نرى ان طرح هذا القانون للنقاش وبيان ايجابياته وسلبياته هو أسلوب حضاري اذا أخذنا بنظر الاعتبار ان فقهاء القانون والمشرعين القانونيين هم على رأس من يدير هذه النقاشات لبيان واقع التعامل مع هذا القانون على وفق المصلحة الوطنية العليا بعيداً عن المهاترات السياسية والشعارات غير المنضبطة للمتاجرة بها على حساب حرمان العراقيين من حقوقهم الوطنية في التمتع بثرواتهم هذه.
هناك جملة من الاسباب تستحق الدراسة الواقعية وتستحق الاجابة بكل شفافية ووضوح على الأسئلة التي تطرح نفسها في الوقت الحاضر، وهي بلا شك أسئلة منطقية وواقعية. وعلى رأس هذه الأسئلة ان النفط في هذه الايام يعيش عصره الذهبي في ارتفاع اسعاره عالمياً وهذا ما يشجع على زيادة الانتاج وزيادة تصديره وبيعه لسد كافة احتياجات البنى التحتية التي أهملها النظام البائد تحت لافتات شعاراتية أخرت النمو الاقتصادي العراقي عقوداً طويلة من الزمن. فلماذا لا يستعان بخبرات الشركات العالمية اذا كنا عاجزين في الوقت الحاضر على استخراجه وعرضه في الأسواق العالمية أسوة بما تعاقدت عليه الكثير من دول المنطقة مع شركات دولية تمتلك الكثير من الخبرات الواسعة مما جعلها ـ الدول المصدرة ـ تعيش ازدهاراً اقتصادياً وتنموياً تحسدها كل شعوب الأرض على هذه النعم التي انعم الله سبحانه وتعالى بها على شعوب المنطقة. أليس من المنطقي ان نستفيد من تجارب حكومات ودول المنطقة التي تتعامل نهاراً جهاراً مع شركات عالمية في هذه الصناعة المربحة جداً؟.
وربما يتبادر الى الذهن السؤال التالي: ماذا لو انخفضت أسعار النفط في الأسواق العالمية وتدنت بشكل كبير بحيث لا تسد حتى كلفة استخراجه؟ ثم ماذا تفيد هذه الثروة وهي ما زالت في باطن الأرض لو استطاع العلماء اكتشاف طاقة بديلة ارخص ثمناً من النفط وربما أعلى كفاءة منه؟.
هذه الاسئلة وغيرها يمكن ان تطرح على خبراء الاقتصاد وخبراء الطاقة فهم المعنيون بذلك وليس المعني بها الذين يتاجرون بالشعارات الزائفة التي يراهنون على تسويقها الى الشارع العراقي ظناً منهم ان العراقيين سوف يتقبلون مثل هذه الادعاءات الباطلة وسوف يقفون معهم لتعويق العملية السياسية الجارية بعد التغيير الشامل وهذا هو هدف اعداء الشعب العراقي الذين لا يتركون فرصة تخدم مصالح الشعب العراقي إلاّ وحاولوا تعويقها، وهذا ما لمسه الشعب العراقي طيلة السنوات التي اعقبت سقوط الدكتاتورية. فهم ـ أي البعض ـ يريدون بكل تأكيد العودة الى النظام الشمولي والعودة الى المربع الأول الذي يحقق لهم مصالحهم وطموحاتهم على حساب حرمان العراقيين.
يذهب العديد من المحللين السياسيين الى ان الذين يناهضون هذا القانون هم أصحاب أجندات خارجية لبعض الدول المصدرة للنفط باعتبار ان أي زيادة في انتاجه عراقياً سوف يؤثر بشكل كبير على ما يعرضونه في السوق النفطية العالمية وهذا يعني تدني مردوداتهم الاقتصادية لذلك هم يفتشون عن جهات داخلية تستطيع ان تضع خطوطاً حمراء على هذا القانون العراقي، لكي يستمر انتاجهم تصاعدياً حسب حاجة السوق وحرمان الآخرين، او على الأقل، تأخير حصولهم على الخبرات التي تتيح لهم استخراجه وبيعه وطنياً.
العراقيون بكل فئاتهم ومكوناتهم ضد أي مشروع يفرط بالثروة الوطنية وهذا الثابت الوطني هو ليس مشروعاً خاصاً بفئة دون اخرى او مكون دون آخر باعتبارها ـ الثروة ـ هي ملك كل الشعب العراقي، وهذا لا يعني بالتأكيد قطع الطريق امام تحقيق طموحات الشعب العراقي في الاستفادة من ثرواته لأعمار ما دمرته الحروب السابقة واعمار التصدعات الاقتصادية التي حرمت العراقيين من العيش الكريم.
ان أي فائض من الثروات سوف لن يذهب الى جيوب أشخاص او فئات او أحزاب وإنما سيبقى الفائض في خزينة الدولة وهي أموال تشترك في الاستفادة منها كل الأجيال اللاحقة بعد ان اتيحت الفرصة الجيدة للحصول على هذا الفائض من خلال ارتفاع أسعار النفط عالمياً. لذلك يرى العديد من الخبراء المختصين في هذا الشأن ان على العراقيين الاستفادة من هذه الفرصة المتاحة في الوقت الحاضر مع وضع ضوابط تخص المصلحة الوطنية العليا في كيفية استثمار هذه العوائد لمصلحة الشعب العراقي وأجياله الحالية واللاحقة.
ان التطور العلمي والتكنولوجي الحاصل في هذا العصر وهذه الطفرات العلمية تستدعي ان نقف عندها جلياً وان لا نبقى نجتر زيف الشعارات البراقة التي اعتاد أصحاب المصالح الضيقة ان يتاجروا بها خدمة لمصالحهم ومصالح من يجندهم من الخارج. لقد آن الأوان لكي يطرح القانون على بساط النقاش العلمي والتقني والدستوري وتحت الشمس لكي يأخذ طريقه للتنفيذ اذا كان مفيداً او ليرفض اذا كان بالفعل ضد الشعب العراقي.
https://telegram.me/buratha