( بقلم : عبد الكريم الجيزاني )
لا زالت قضية حزب العمال الكردستاني التركي تشغل الحيز الاكبر في الساحة الاعلامية المحلية والاقليمية والدولية فضلاً عن اهتمام القادة السياسيين بمعالجة هذا الملف وايجاد حالة من التوازن المطلوب في العلاقات المبنية اساساً على سياسة حسن الجوار.
الدستور العراقي حظر بشكل واضح وشفاف تواجد (متمردين) او (ارهابيين) على الارض العراقية تشكل خطراً او على الاقل ازعاجاً لدول الجوار باعتبار ان تواجد مثل هذه المنظمات ـ غير المرغوب بها ـ تشكل عائقاً كبيراً في نمو العلاقات السياسية والاقتصادية والمصالح المشتركة في كل ارض من مساحة المنطقة سواء داخل الارض العراقية او داخل الدول المجاورة، وهذا بحد ذاته يتطلب من حكومات المنطقة ان تراعي هذا الجانب وتضغط بشكل مباشر عل انشطة هذه المنظمات وتحجيم تواجدها على اراضيهم كما هو الحاصل اليوم من تواجد قوى تستخدم السلاح والمال للاخلال بالأمن الداخلي لدول المنطقة كمنظمة القاعدة التي لها وجود عسكري في كل دول العالم وعملياتها الاجرامية معروفة والوثائق التي تدينها اكبر مما يذكر عادة في الاعلام، وكذلك تواجد منظمة (مجاهدي خلق) الايرانية التي لا تقل خطراً على الداخل العراقي او على الجارة ايران، فمن باب الانصاف والعدل اذا ما اراد القادة السياسيون انهاء تواجد حزب العمال الكردستاني التركي الذي يأخذ من جبال كردستان منطلقاً لشن هجمات عسكرية على القوات المسلحة التركية فلا بد من انهاء تواجد منظمة (مجاهدي خلق) على الارض العراقية وحظر أي نشاط لها سواء كان عسكرياً ام سياسياً واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان كلا التنظيمين هما على لائحة ( المنظمات الارهابية) وان أي دعم لهما او على الاقل غض النظر عن عملياتهما العسكرية بالتأكيد سوف يضر بمصلحة العراق اولاً وكذلك يضر بمصالح دول الجوار ثانياً ويسيء بشكل مباشر للعلاقات التي تؤمن المصالح المشتركة للجميع.
وتأسيساً على ذلك نرى ان الموقف السياسي العراقي ينطلق عادة من الثوابت الوطنية وعلى رأس هذه الثوابت عدم التدخل في الشأن العراقي، ولا يقبل العراق بالتأكيد لأي قوات تابعة لدول الجوار بالتوغل داخل الارض العراقية بأعتبار ان العراق لا يقبل ان يتحول الى محطة لايذاء جواره العربي والاسلامي ولا يشكل مصدر قلق للاخرين كما كان يفعل ذلك النظام المقبور، لذلك فالساسة العراقيين قد اختاروا الحوار السياسي لحل المشكلة وتجنيب المنطقة برمتها مزيداً من هدر الدماء البريئة ولمعالجة هذا الاحتقان بالطرق السلمية وهي بالتأكيد افضل الطرق لحل أي نزاع قد ينشأ الان او في المستقبل.
المجلس الاعلى باعتباره يمثل من خلال الائتلاف العراقي الموحد اقوى كتلة برلمانية في مجلس النواب العراقي يرى انه ليس من مصلحة العراق اكمال مشهد (صدام المقبور) بدخول حرب جديدة مع الاخوة الاتراك ولا يسعى لدق طبول الحرب، وهذا الموقف الوطني يراد منه الحفاظ على مصالح الشعب العراقي وبدلاً من الدخول في حرب لا طائل من ورائها يسعى المجلس الاعلى لبناء علاقات استراتيجية مع دول الجوار العربي والاسلامي لتجنيب العراق شعباً وارضاً من ويلات الحروب والحفاظ على السيادة الوطنية وتأكيد المصالح المشتركة لشعوب المنطقة برمتها وليس الشعب العراقي وحده.
ان تجفيف بركة الخطر الذي تسببه المجاميع الارهابية والمتمردة في كل دول الجوار هو ليس هدفاً عراقياً محضاً بقدر ما هو هدف لجميع شعوب المنطقة وهذا بالتأكيد سوف ينسحب على ركل المنظمات الخارجة على قانون دولها بدون استثناء وخاصة تلك التي لا تعرف سوى القتل ورفع السلاح الذي يهدد أمن دول المنطقة، وهذا ما يستدعي عقد معاهدات استراتيجية أمنية تلتزم جميع حكومات هذه الدول بتجفيف تلك البرك التي تضر بالمصالح الوطنية والقومية والانسانية وان لا تتحول كل دولة في هذه المنطقة الى مصدر قلق للاخرين من خلال اعتماد سياسة القبول بتواجد ارهابيين على اراضيها لتصديرهم في اوقات الازمات السياسية والاحتكام للحوار السياسي ولطاولة المفاوضات، وهذا ما يؤكده المنطق والحق والعدل بعيداً عن تأليب قوى ظلامية لا يجنى من ورائها سوى القتل والتدمير والدمار.
ان اصطفاف بعض الحكومات مع هذا الطرف او ذاك ليس في مصلحتها مهما كانت المبررات خاصة اذا تعلق الامر بأمن المواطن، إذ ان المطلوب هو ابعاد الزيف قدر الامكان عن مصادر النيران فالنار لا تعرف حدوداً معينة فهي تلتهم الاخضر واليابس، بل وكما يقال( النار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله) وعلى هذه الحكومات ان تراجع نفسها الف مرة قبل ان تصطف مع طرف على حساب طرف آخر وان تستفيد من تجارب الماضي وما خلفته الحروب من دمار هائل وخسائر جسيمة في الاموال والارواح، فضلاً عن تأخير النمو الاقتصادي والعلمي والحضاري وتصاعد وتائر البناء التحتي كما حصل مع مخلفات حروب النظام البائد مع دول الجوار ومع العالم الخارجي والتي يعاني من تركاتها الشعب العراقي.
ان الاحتكام الى العقل وتغليب الليونة على الاحتقان سوف يجنب المنطقة ويلات جديدة ليس بمستطاع الشعوب تحمل اوزارها مستقبلاً، لذلك نرى ان على الاخوة الاتراك ان يقبلوا بنتائج ما تتمخض عنه المفاوضات التي هي بالتأكيد تنطلق من نوايا حسنة والتمسك بسياسة حسن الجوار وتغليب لغة العقل على لغة جعجعة السلاح، خاصة وان العراقيين قد بينوا مواقفهم من حزب العمال الكردستاني التركي بكل شفافية ووضوح واهم هذه المواقف هو الطلب بإلقاء السلاح ومغادرة الأرض العراقية بأسرع وقت وان لا يتخذوا من الارض العراقية منطلقاً لعملياتهم العسكرية التي اضرت بشكل مباشر بمصالح العراق اولاً وبمصالح تركيا ثانياً.
https://telegram.me/buratha