التقارير

كتاب: «الانتهازي».. نوع من البشر له أصوله

3761 2016-02-20

 من الشائع استخدام توصيف «الانتهازية»، أو «الوصولية»، على تلك الممارسة التي تكمن في «التصرّف حسبما تقتضي اللحظة الحاضرة»، حسب التعريفات السائدة، ومن أجل خدمة المصالح الخاصّة للمعني بتلك الممارسة. ذلك بعيدا عن جميع أنواع الالتزام جديّا بالمبادئ الأخلاقية المعروفة. وتوصيف «الانتهازي» يتم إطلاقه على ذلك الشخص الذي يمارس الانتهازية.

و«الانتهازي» هو بالتحديد عنوان كتاب «جوناس هيلبيغ»، الباحث الألماني في مجال علم الاجتماع والحائز على شهادة الدكتوراه من معهد «السوسيولوجيا» في جامعة فريبورغ الألمانية. والكتاب هو العمل المطّور انطلاقا من نص أطروحته التي دافع عنها بعد سنوات عديدة من البحث والتنقيب حول تاريخية مفهوم «الانتهازية» منذ العصور القديمة حتى المجتمعات الحديثة.
يحمل الكتاب عنوان «الانتهازي»، ويتم النظر للمعني فيه أنه «لا يشكّل حالة منفردة أو معزولة» لكنه بالأحرى تعبير عن «نوع من البشر له أصوله»، «له نسبه»، كما جاء في العنوان الفرعي للكتاب. والإشارة منذ البداية أن دلالة توصيف «الانتهازي» قد عرفت عدّة تحوّلات كبيرة حسب الحقب التاريخية المتتالية منذ القديم.
يتم في هذا السياق التعرّض لشرح مدلولات «التعبير» لدى اليونانيين القدماء الذين استخدموها بمعنى «الجرعة المناسبة» في مختلف الميادين بما في ذلك «الحبكة المناسبة في عملية النسج».
ثم لدى اللاتينيين وغيرهم من الحضارات التي عرفتها أوروبا وصولا إلى حديث الألمان في القرن العشرين عمّا أسموه «السياسة الواقعية» في التعامل «الملائم» مع المعسكر الشرقي، السابق، بكثير من المرونة مقابل «التشدد»… وبهدف «النجاح» و«تحقيق النتائج» المرجوّة.
لكن دلالة «الانتهازية» غيّرت جذريا من مضمونها في الاستخدام خلال الزمن الحاضر اعتبارا من نهايات القرن التاسع عشر. وكان لا بدّ من مرور «فترة انتقالية» اعتبارا من سنوات الثمانينات في القرن التاسع عشر، كما يحدد المؤلف القول، كي تتحوّل دلالة تعبير «انتهازي» من «الإيجابية إلى السلبية» بحيث أنه «لا أحد يحب اليوم الانتهازي»، كما يشير المؤلف.
وغدت «الانتهازية» تجسّد «الغياب الخطير لأية درجة من التمسّك بالمبادئ». بل وأن دلالة «التعبير» غدت نوعا من «المرادف» لممارسة «الرياء والنفاق» وحتى الاقتراب من «الخيانة».
بل ويشير المؤلف أن توجيه توصيف «انتهازي لأحدهم» أصبح يمثّل اكثر من النفاق والرياء «ليغدو نوعاً من الشتيمة». لكن «جوناس هيلينغ»، مؤلف هذا الكتاب، يرى أنه هناك باستمرار «خيط رفيع» يفصل بين «الانتهازية» و«الحس العملي ــ البراغماتية» الذي تفرضه الظروف على ممارسة البشر ومواقفهم. والإشارة أنه ليس من الصعب اعتبار «الانتهازية» كنوع من «التقاط الفرصة المناسبة».
ويفتح المؤلف في هذا السياق قوسين كي يسأل عمّا إذا كان «الانتهازيون» الذين يقتنصون الفرص عندما تسنح لهم أكثر خطورة من أولئك الذين لا يبدون أي استعداد لتغيير آرائهم، ولو كانت خاطئة؟.
لكن ظهور مفهوم «الانتهازية» في مختلف الأدبيات التي تعرّضت لتوصيف السلوك الإنساني في العديد من الحالات يعود إلى القرن التاسع عشر فقط. والإشارة أن استخدامه شاع في جميع الميادين، وفي جميع المناطق حتى أنهم أطلقوا على الولايات المتحدة توصيف «أرض انتهاز الفرص»، وما تمّت ترجمته فيما بعد بالفرص المرتبطة بـ «الحلم الأميركي» والصعود الاجتماعي والاقتصادي.
ويشرح «جوناس هيلبيغ» أن «ثقافة الحداثة» الغربية القائمة مرتبطة بإمكانية «فعل كل شيء دون ضرورة القناعة بذلك». هذا في ظل نوع من الغياب العميق للمبادئ مع قدر كبير من اللامبالاة. ويبين المؤلف أن الانتهازية كانت تعني على مدى قرون طويلة امتدت منذ اليونان القديمة حتى القرن التاسع عشر، «الحس العملي ــ البراغماتية» الذي يمارسه العاملون في الحقل العام.
ونرى في المحصّلة النهائية، يصل المؤلف إلى القول أن واقع «التعقيد» الذي يعرفه العالم اليوم وما ينجم عن ذلك من ضغوط يجعل من الصعب التفريق بين «الانتهازية» وبين تبنّي «سياسة فيها جرعة من الحس العملي ــ البراغماتي».

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك