التقارير

تركيا والسعودية: حلف الدهاء والهلع

1540 2015-03-04

حسام مطر

في ظل انكفاء داعش في المشهد العراقي، تقدم الجيش السوري في مجمل الحرب السورية، خروج أنصار الله من التهميش الى قلب المعادلة السياسية في اليمن، وصولاً الى احتمالات التسوية النووية الإيرانية – الأميركية، كانت السعودية أمام خيارين، خيار الإنفتاح على إيران لتشكيل إطار إقليمي يراعي مصالح البلدين كما حصل جزئياً في العراق، أو الإتجاه نحو مزيد من التشدّد عبر إعادة بناء وتدعيم جبهة موازية بالتعاون مع تركيا. يبدو أن الرياض قررت مجدداً الهروب إلى الأمام نحو الخيارات الأكثر فوضويةً مدفوعةً بتأثير المزاج الشخصي للنخبة الجديدة الحاكمة.

طوال الفترة الماضية تركزت الجهود التركية ومعهم الإخوان المسلمين على إخضاع السعودية لمنطق الهلع من إيران، وهذا ما برز مؤخراً بهاشتاغ جرى إطلاقه على تويتر بعنوان "جبهة خليجية عالمية لمواجهة الإرهاب الشيعي"، أي جبهة سعودية إخوانية تركيا لمواجهة محور المقاومة. يمكن من خلال متابعة الإعلام التابع لمحور تركيا تلمس الأدوات التي إستخدمت لجذب السعودية بعيداً من تسوية محتملة مع إيران: أولاً تسعير الشحن المذهبي (مثلاً هاشتاغ :الإرهاب الشيعي يقتلنا)، ثانياً التركيز على ما يجري في اليمن باعتباره هجوماً إيرانياً على المملكة من دون أي اعتبار للظروف الداخلية في ذلك البلد، ثالثاً، إبراز الأضرار المترتبة على السعودية من جراء علاقاتها مع النظام المصري سواء في الإستنزاف المالي للمملكة، ودفع مزيد من الإسلاميين الإخوانيين للتطرف، وكذلك الدفع بحماس لإعادة التواصل المكثف مع إيران للتفلت من الحصار المصري.

في الواقع يمكن تفهّم هذه الإستراتيجية التركية، إذ إن أردوغان يعاني ما يشبه العزلة الإقليمية، ويبدو مجرداً من أوراق القوة والتفاوض، ولا سيما في ظل دحر الأكراد لداعش في محيط عين العرب. المطلوب من تجديد هذا الحلف التقليدي، محاولة إشغال الفراغ الذي تتركه داعش في العراق وسوريا، وإلا سيستكمل محور المقاومة استعادة ما خسره أثناء صعود موجة داعش. ثانياً، تمتين جدار الكراهية المذهبية حول إيران، تحسّباً لتحررها من العقوبات الدولية في المرحلة المقبلة. ثالثاً، إعادة شحن الحرب السورية بمزيد من الموارد لإطالة أمدها. هذه القوى تراهن على كسب الوقت قدر المستطاع لحين الإنتخابات الأميركية المقبلة حيث من الممكن فوز الجمهوريين بما يؤدي الى عودة السياسات الأميركية المتشددة الى المنطقة.

إلا أن إزالة الشرخ التركي السعودي تعترضه  عقبات عديدة، وإن كانت قابلة للتجاوز. أبرزها يخص الوضع المصري، إذ إن السعودية ليست في وارد التخلي عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، بل جل ما يمكن أن تطلبه، أن يظهر قدراً من التسامح تجاه الإخوان المسلمين. هنا يبدو الإختلاف بين ما يمكن أن تقدمه السعودية والسيسي للإخوان، وبين ما يطمح الإخوان للحصول عليه. ثانياً، لا تطابق سعودي – مصري في تقدير الموقف الإقليمي، مصر ترى الإرهاب بمثابة الأولية وليس مواجهة طهران. ثالثاً، الحذر والريبة حاكمة في العلاقات السعودية – التركية، ولذا سيبقى أي التقاء ظرفياً وهشّاً وعرضة للتفسخ بشكل دائم. رابعاً، حتى بظل انعقاد هذا التحالف ما هي فعلياً خياراته الميدانية؟ إذ إن هذه الدول تحالفت لسنوات في الملفين العراقي والسوري ونفذت من جعبتها المفاجأت، فما الذي سيتغير الآن؟

يمكن للسعودية أن تسلك مساراً مختلفاً وأكثر عقلانية من خلال استقراء التجربة العراقية. لا يعارض الإيرانيون دوراً سعودياً في العراق، كما برز في قضية المالكي، ولا حتى رئيس الحكومة العراقية يسعى إلى الصدام مع السعودييين أو الأتراك. يمكن لحوار إيراني – سعودي أن ينتج على الاقل تفاهمات في اليمن والعراق ولبنان، إذا ما غادر السعوديون فكرة "إما كل شيء أو لا شيء"، وحاولوا مقاربة المشهد الإقليمي أبعد من المذاهب والطوائف نحو المصالح المشتركة. على السعوديين التفكر قليلاً في معنى أن تدفع أنقرة بهم للصدام مع إيران، في وقت تنسج أنقرة أفضل العلاقات الإقتصادية مع طهران.

إلا إنه من ناحية محور المقاومة يجري التحسب للأسوأ في ظل إنطلاق عمليات التدريب الأميركية في الآردن وتركيا، الحدث القديم الجديد. في ظل التقدم الواسع للجيش العراقي والحشد الشعبي على داعش مع بدايات معركة تكريت التي ستمثل بداية النهاية لداعش في العراق؛ فإنّ هذا المحور سيكون قادراً في الأشهر القليلة المقبلة على تعزيز خطوطه في سوريا لتثبيت إنجازات العام الأخير وحسم نقاط حيوية سواء في مناطق حدودية أو بعض الجيوب في ريف دمشق.

ربما لا نصيحة أفضل في هذه الأيام من تلك التي أوردها مترنيخ (أو مترنيش) وزير خارجية الإمبراطورية النمساوية، في رسالة وجهها إلى القائد العام للجيوش النمساوية في ظل الحرب مع نابليون، ويقول فيها: " لنتجنب زهوة النصر قبل إنقضاء أيام على المعركة، ولننكر إنكسارنا قبل مضي أربعة أيام على وقوعه... لتكن الحربة دائماً في يدنا اليمنى وغصن الزيتون في اليسرى، ولنكن على إستعداد للتفاوض من دون أن نتوقف عن التقدم أثناء المفاوضات".

17/5/150304

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك