اتخذت القيادة السياسية والحربية في الجمهورية العربية السورية القرار بتطهير منطقة القلمون المحاذية للبنان من المسلحين التكفيريين، الذين مارسوا على مدى عامين ونيف شتى صنوف الإرهاب في المناطق التي دخلوها وعاثوا فيها فساداً وخراباً.
الهام في هذه المعركة العسكرية هو التوقيت السياسي، بعد إعداد العدة والتخطيط لإنهاء الوجود الهجين للمسلحين في مدة زمنية قصيرة، على غرار ما حدث في القصير منتصف الصيف الماضي، والتوقيت بمفهومه السياسي والحربي هو أهم من العمليات في الميدان، ذلك أن الرسالة قد وصلت إلى من يعنيهم الأمر في إحدى دول النفط الأسود، التي قررت تخريب أي عملية سياسية للحل والتسوية، في جنيف أو سواها، لأنها ستكون أكبر خاسر بالمعنى العملي والاستراتيجي والنفسي والمعنوي، بينما الحلف الذي كسر هذه الفئة في القصير سيكون قادراً على تكرار المعادلة ذاتها في القلمون، خصوصاً أن قائد المقاومة في لبنان أكد على هذا الحلف ومعايير الصراع القائم، والمصير المشترك والهدف والواحد.
إذاً، بدأت معركة القلمون ذي الأهمية الفائقة للقيادة في دمشق، ووُضعت الخطط ذات البعد الميداني والاستراتيجي، وأطلّت أولى البوادر من بلدة قارة التي تسكنها أقلية مسيحية وأغلبية مسلمة، حيث قررت القيادة أن هذه المعركة لا مفر من الظفر بها بأقرب الآجال، لما تشكل بمساحتها الشاسعة خاصرة رخوة ضد المقاومة في لبنان، كما شكلت القصير وقتذاك، كما أنها آخر حبل صرة أو شريان (بما أنها سُمّيت عملية قطع الشريان) بين المسلحين والبيئة الحاضنة لهم في عرسال وغيرها، ولعل هذه المناطق بالذات كانت مصدراً رئيسياً لتهديد بيئة “حزب الله” في لبنان، من خلال السيارات المفخخة وبعض التفجيرات على الطرق العامة، لذلك فإن الحزب يعي ويراقب هذه العملية بشكل مباشر ولا يمكنه أن يبقى منتظراً، لاسيما أن منطقة القلمون ملاذ لمئات الهاربين من جحيم القصير والغوطتين الشرقية والغربية وجنوبي دمشق ومحيط مقام السيدة زينب (عليها السلام)، وهي منطقة مدّ وتواصل بين المجموعات والمراكز القتالية والبيئات الحاضنة المرتبطة بشكل كبير مع البادية، إلى تدمر في عمق الصحراء، وصولاً إلى العراق، ومن الغرب نحو حمص، ومنها إلى سلسلة جبال لبنان الشرقية.
التطور النوعي في معركة القلمون مردّه إلى سلسلة عوامل مكّنت القيادة وغرف التخطيط العملياتي من الاستفادة من أمور عدة، أهمها تراكم الخبرة والقوة والجهد الاستخباري العالي المستوى، فقبل القصير شيء وبعدها شيء آخر، حيث تغيرت المعادلة، فالمجموعات التكفيرية صارت مشرذمة إلى حد كبير، بل وتقاتل بعضها، ومجموعات “الجيش الحر” تسلّم نفسها بالمئات للجيش العربي السوري، حتى أن طرق إمداد السلاح والمسلحين ما عادت كما كانت، ولهذا حصلت عملية تدحرج للواقع العسكري والسياسي برمته، وفقدت الفصائل المرتبطة بـ”القاعدة” وبعض الدول زخمها وقوتها وقدرتها على الاستمرار.
على الصعيد السياسي، انطلقت القلمون بقوتها بعد المكالمة الهاتفية الهامة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره السوري الدكتور بشار الأسد، وبعده بالرئيس الإيراني الشيخ د. حسن روحاني، وقبله بالملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، لتؤكد هذه المحادثات تسيُّد روسيا، وتحديداً الرئيس بوتين ورئيس الدبلوماسية سيرغي لافروف، للمشهد الدولي منذ “اتفاق الكيماوي السوري” الشهير، الذي منع الحرب الأميركية على سورية، وهي عملية إعادة رسملة للوقائع الدولية على أسس جديدة، وهي التي أطلقت يد الجيش السوري وطيرانه الحربي على كل الجبهات، مما شكّل انقلاباً دراماتيكياً واسعاً، وهناك من اعتبر أن اتصال بوتين بالأسد هو في الواقع تهاتف الشرعية الدولية للقول إن الأسد نفذ وعده بإزالة السلاح الكيماوي، وبناء عليه صار لزاماً على المجتمع الدولي التعاطي معه من الآن فصاعداً بأسلوب سياسي ودبلوماسي يؤكد مركزية دوره كأساس لأي صيغة حل في جنيف.
في المحصّلة، بدأت الاندفاعة الروسية بالشراكة مع الأميركي تؤتي ثمارها بالضغط على كل المنخرطين بسفك الدماء والتمويل والتسليح ليجلسوا على طاولة الحل المرتجى، ووضع خطة بدأت معالمها بالظهور للحرب على التطرف، وهذا ما بدأ في تركيا ودول أوروبية، وبالتالي سيضطر أحمد الجربا للجلوس صاغراً حول الطاولة، ومن سيمتنع عن المشاركة سيدفع ثمن سياسته ومغامراته.
الثبات
22/5/131121
https://telegram.me/buratha