التحالف الإسرائيلي ـ الفرنسي ـ السعودي يعطل تسوية النووي والكرة الآن في ملعب واشنطن
مصطفى الحاج علي
كان كل شيء يؤشر إلى أن إبرام اتفاق إطار يشكل خارطة طريق لتسوية قضية الملف النووي الإيراني، الأمر الذي استدعى قدوم وزراء خارجية دول الخمسة زائد واحد على عجل حتى لو تطلب من البعض قطع زيارته لإحدى الدول كما فعل تحديداً وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ثم ما لبث أن تبدد مناخ التفاؤل ليُضرب موعد جديد للمفاوضات ليس ببعيد.فما هي إذاً قصة هذا المشهد المفاجئ في المفاوضات؟ ثمة شهادات لكثيرين ممن واكبوا عملية التفاوض، بعضها قال إن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لعب دوراً معرقلاً أساسياً منذ وصوله إلى جنيف، حيث سارع إلى إطلاق الشكوك، وإثارة التحذيرات معتبراً أنه "ما من تأكيد أنه يمكن التوصل إلى اتفاق..." محذراً من "لعبة خاسرة مسبقاً".
وبحسب العديد من الدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين، فإن باريس عمدت إلى طرح مطالب تعرف مسبقاً أنها لن تلقى قبولاً إيرانياً كونها تشكل بالنسبة لها خطوطاً حمراء، من قبيل المطالبة بوقف التخصيب نهائياً، هذا المطلب الذي لا يرفعه في الحقيقة إلا الكيان الصهيوني الذي يريد أن يرى كل المشروع الإيراني مفكّكاً.رضا حراشي، المدير المساعد للمجلس الوطني الإيراني ـ الأميركي، وهو مركز دراسات أنشأه أميريكون من أصل إيراني، تحدث عن كيفية تحويل فابيوس "حياة كيري إلى جحيم"، كما نقل عن دبلوماسي أوروبي قوله إن "ملامح اتفاق ظهرت إلى أن رمى الفرنسيون قنبلتهم، وتعين قضاء النهار بطوله في الحد من أضرارها".ومن جهة أخرى كشف وزير الخارجية السويدي كارل بيلات عن أن "المحادثات الأكثر صعوبة لم تجر مع إيران، لكن في داخل المجموعة الغربية نفسها؟.." الأمر عينه أكدته مجلة "ذا أبوسرفاتور" اللندنية، مشيرة إلى وجود خلافات بين فرنسا والولايات المتحدة حيث تبنت الأولى خطاً متعنتاً يلتقي مع المتشددين داخل واشنطن.إن الوقوف على خلفية التعنت الفرنسي ليس بالأمر الصب ويمكن إيجازه بالآتي:أولاً: إن الحكومة الفرنسية الحالية لا تقل صهيونية عن سابقتها حتى لا نقول أنها تفوقها. وكما يقول آلان غريش رئيس التحرير المساعد في "لوموند ديبلوماتيك" فإنه "ومنذ سنوات يعالج الملف النووي الإيراني في وزارة الخارجية الفرنسية، دبلوماسيون لا يفقهون شيئاً تقريباً عن ذلك البلد (إيران)، وينظرون إلى أنفسهم على أنهم صليبيون جدد في حرب باردة جديدة، فبالنسبة إليهم تمثل إيران تجسيداً للشر".فوجئ هؤلاء الدبلوماسيون الذي يتفقون مع المحافظين الأميركيين الجدد بانتخاب باراك أوباما، ولم يتوقفوا مذاك عن إفهام الآخرين مدى ضعف الرئيس الأميركي في هذا الملف، ومدى استعداده للقيام بأي تسوية، وتعد وجهة نظرهم قريبة من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية". إذاً، الحكومة الحالية هي امتداد للخط المتشدد والمتعنت والذي يجد قوته في خط المحافظين الجدد داخل الولايات المتحدة مستقوياً به وبالحزب الجمهوري، وبالتالي فهو جزء من الخط المناوئ داخل الولايات المتحدة لسياسة أوباما. كما تستقوي باريس بحكومة نتنياهو المتشددة، وبالكتلة الخليجية المتحالفة موضوعياً مع هذا الخط.ثانياً: إن باريس التي وقفت وحيدة أوروبياً وراء قرار واشنطن بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، لم يرقها، كما السعودية والكيان الإسرائيلي التراجع، عنها، إضافة إلى تفاجئها بوجود تفاهم أميركي ـ روسي من وراء ظهرها.ثالثاً: تحاول باريس إعطاء انطباع دولي وداخلي بأنها ليست تابعة للولايات المتحدة في سياستها الخارجية، وإنما لها إراداتها المستقلة.رابعاً: إن الرئيس الفرنسي الذي يستعد لزيارة الكيان الصهيوني يريد من موقفه من جنيف أن يكون بمثابة مفتاح كبير لتطوير العلاقات بين الإثنين على مدى واسع، أي منح نتنياهو هامشاً دولياً للمناورة وحرية الاعتراض خصوصاً في وجه إدارة أوباما.خامساً: إن باريس تريد استثمار مواقفها السياسية في الخليج لتسييلها المزيد من الاستثمارات المتبادلة مالياً واقتصادياً خصوصاً من خلال إجراء المزيد من عقود السلاح مع النظام السعودي. كما لا بد من التذكير بحجم الاستثمارات القطرية في باريس، والتي أثارت مؤخراً ردود فعل كبيرة.سادساً: إن باريس تدرك الأبعاد الواسعة لتسوية الملف النووي ـ الإيراني، وهي بالتالي تريد أن تحجز لها مقعداً وحصة في إطار المعادلة الواسعة دولياً وإقليمياً التي يعمل على رسم توازناتها في المرحلة المقبلة انطلاقاً من إبرام أكثر من تسوية وقضية من قضايا المنطقة الرئيسة وفي طليعتها القضايا الثلاث بكل امتداداتها: القضية الفلسطينية، والقضية السورية، وقضية الملف النووي الإيراني.وفي مطلق الأحوال، إن الموقف افرنسي يتطابق مع كل من الموقفين الإسرائيلي والسعودي، حيث أعلن الأول حرباً لا هوادة فيها ضد أي تسوية مع إيران تحفظ لها حق تخصيب اليورانيوم، كما يسمح لها بالاحتفاظ بما خصبته حتى الآن عند درجة 20%. وأما السعودي بقدر ما لا يريد رؤية إيران قوية، فهو يرى أن حل الملف النووي الإيراني يجب أن يكون من ضمن صفقة ومقايضة تشمل تحديداً الملف العراقي والسوري والبحريني واليمني، وهو يرى بالتالي أي تسوية لهذا الملف منعزلاً عن باقي الملفات سيفقده ورقة ضغط هو بحاجة ماسة لها خصوصاً بعد فشله في سوريا.وثمة نقطة جدير التوقف عندها، وهي أن الخلاف الإسرائيلي مع إدارة أوباما سرعان ما انتقل إلى الولايات المتحدة نفسها وبالتحديد إلى الكونغرس، حيث سارع نتنياهو إلى إرسال أحد وزرائه لشن حملة علاقات عامة وضغوط لحمل إدارة أوباما للتراجع عن إجراء تسوية مع إيران تستند إلى استراتيجية الخطوة خطوة، فما كان من هذه الإدارة إلاّ أن حذّرت من أن عدم إبرام هكذا تسوية سيؤدي إلى اندلاع حرب في المنطقة، حرب لا يريدها الشعب الأميركي، الأمر الذي يشي بأمرين: الأول أن المتحكم الرئيسي في سياسة أوباما كان ولا يزال هو الوصول إلى أوضاع تجبره على شن حرب تعاكس برنامجه الانتخابي، وتهدد أولوياته الاستراتيجية. والثاني، أن إدارة أوباما جادة في الوصول إلى تسوية بما هي المخرج الوحيد لقطع الطريق على هكذا حرب، ذلك أن واشنطن تعلم ان فشل التسوية سيبقي البرنامج النووي ـ الإيراني محكوماً لمسار تطوري سيجعل إيران دولة على حافة القنبلة، وهذا ما لا يستطيع تحمله، كما لا يستطيع الكيان الإسرائيلي القبول به، لا سيما وأن هناك تعهداً من أوباما بعدم السماح لطهران بالوصول إلى هذه النقطة. وهذا المنحى يؤكده الطريقة التي تجنب فيها أوباما قطوع الحرب مع سوريا من خلال القبول بتسوية السلاح الكيميائي من خلال التفاهم مع الروس.بناءً عليه لا يبقى أمام واشنطن إلا أحد خيارين: الأول مواجهة الضغوط الإسرائيلية والفرنسية والسعودية، والعمل على ممارسة ضغوط معاكسة لتمرير التسوية، خصوصاً وأن أوباما يدرك أن الخطوط الحمراء الإيرانية لا إمكان لطهران أن تتراجع عنها. والثاني، الاستسلام للضغوط، وإعادة المفاوضات إلى المربع الأول، أي مربع الشروط والشروط المضادة، مع إمكان زيادة الضغوط المتنوعة على إيران، ما سيعني بدوره إيصال الأوضاع إلى حافة الانفجار الشامل مجدداً، وليس قول نتنياهو بأن تسوية سيئة مع إيران ستؤدي إلى الحرب حتى ولو من طرف واحد سوى محاولة منه للضغط عليه بما يخشاه أي خيار الحرب لمنع إنجاز التسوية الحالية، لا سيما وأن نتنياهو يدرك أن واشنطن لن تقف موقف المتفرج في حال اندلاع مواجهة واسعة في المنطقة.من الواضح، أن التحالف الإسرائيلي ـ الفرنسي ـ السعودي تمكن من إحداث إرباك للاستراتيجية الحالية لإدارة أوباما، محولاً كرة الأزمة إلى داخل دائرة التحالف الغربي عموماً مع كل من الإسرائيلي والسعودي، هذا التحالف الذي بات مطالباً هو بإيجاد المخرج لأزمته، لا سيما وأن حدود التنازلات الإيرانية باتت سقوفها معروفة وواضحة، وأي محاولة للاستفادة من التعنت الفرنسي ـ الإسرائيلي ـ السعودي لفرض سقوف جديدة لن يكتب له النجاح، خصوصاً وأنه سبق لإيران وبلسان مرشدها الأعلى آية الله العظمى السيد علي خامنئي أن أعلنت بوضوح عن شكوكها المسبقة بنوايا الغرب، شكوك أقل ما يقال فيها أنها تكشف عن استعداد إيراني لكل الاحتمالات، وبالتالي قطع الطريق مسبقاً على أي احتمالات من هذا النوع.بناءً عليه يصعب تصور إمكان أن تحمل الجولة المرتقبة من المفاوضات في جنيف التوقيع على اتفاق، على أن يترك "باب حلول خلفي" للوكالة الدولية الطاقة الذرية لتشكل البديل المناسب لملئ الفراغ بالاتجاه الذي يعزز لاحقاً من احتمال التسوية، تسوية تعتمد على نزع الأوراق من أيدي المتعنتين، وتقوي من أوراق الراغبين بالتسوية.