مصطفى الحاج علي
هل الخلاف الأميركي ـ السعودي تكتيكي أم استراتيجي، أم أكثر من تكتيكي وأقل من استراتيجي؟ وما هي الحدود الممكنة لتسوية هذا الخلاف في ظل الأوضاع القائمة والحراك السياسي الذي يشهده أكثر من ملف جوهري في منطقة الشرق الأوسط بدءاً من الملف النووي ـ الإيراني ومروراً بملف الأزمة السورية، وليس انتهاءً بباقي الملفات الأخرى كالملف المصري وسواه…؟ ومن ثم، ما هي حدود التأثير الإجمالي على مسارات الأوضاع وملفاتها المتشابكة والمتحركة في آن؟
إن قراءة واقعية لمواطن الخلاف السعودي ـ الأميركي المتعلقة بالملفات الرئيسية في المنطقة تظهر الآتي:
أولاً: لقد بات محسوماً أن الولايات المتحدة وجدت في رياح “الربيع العربي” إمكانية كبيرة لإعادة النظر في شبكة علاقاتها ومصالحها، فذهبت بعيداً في الرهان على إمكان الاستفادة من صعود الحركات الإسلامية في مصر وتونس وسواهما لبناء هلال سني في مواجهة ما تعتبره هلالاً شيعياً. ولذا، شكل سقوط الأخوان في مصر ضربة مفاجئة وقوية لهذا الرهان.
وفي المقابل، كانت تنظر الرياض إلى صعود الأخوان كتهديد استراتيجي ليس لنفوذها في المنطقة فحسب، وإنما أيضاً لنظامها، استناداً إلى وجود أكثر من مليونين ونصف مليون أخواني في السعودية لوحدها.
ثانياً: إن الرياض لم يكن ليرضيها أو أن تنظر بعين الرّضا والاطمئنان إلى تطور مسار العلاقات الغربية مع إيران إيجاباً، وصولاً إلى وجود ظروف ومناخات جدية أكثر من أي وقت مضى لمعالجة الملف النووي الإيراني.
الرياض كانت وما زالت ترغب في إبقاء إيران محاصرة وتحت الضغوط الغربية المتنوعة، وخصوصاً أنها تنظر إليها كتهديد استراتيجي لأمنها القومي في محيطها المباشر، ولمشروع الزعامة الذي تتطلع إليه في المنطقة مستفيدة من الفراغ الحاصل فيها بفعل تراجع مكانة مصر، وتدهور أوضاع العراق وسوريا. وأمّا واشنطن فتنظر إلى حل خلافاتها مع إيران كمفتاح استراتيجي ضروري لحل أو احتواء وتنظيم الخلافات في ما له صلة بالعديد من الأزمات المتفجرة. وهذا إجراء تحتاجه واشنطن لتتمكن من إيلاء أولوياتها الاستراتيجية الجديدة الاهتمام المطلوب.
ثالثاً: إن الرياض تتطلع إلى إسقاط النظام في سوريا باعتباره حجر الدومينو الضروري لإحداث تداعيات استراتيجية في أوضاع خصومها وتحديداً إيران وباقي عناصر محور المقاومة. وهي في الحد الأدنى لا تريد الخروج من المولد بلا حصة وازنة تسمح بأن يكون لها موطئ قدم مؤثر في المشرق العربي، بكل امتدادات هذا التأثير في دول المحيط السوري.
في المقابل، فإنّ واشنطن باتت على قناعة بأن لا إمكان لإحداث تغيير في سوريا من خلال القوة العسكرية، كما أن هذه الأزمة بات من الصعب التحكم بتداعياتها الإقليمية والدولية، وبالتالي لا بد من إيجاد حل سياسي لها، يضمن تحقيق ولو مصالح مناسبة.
رابعاً: من نافل القول، إن أولويات واشنطن الاستراتيجية اليوم هي في محل آخر، وتحديداً هي تتركز على جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ وفي ما يعني الصين تحديداً، وعلى القارة السمراء.
لا يعني هذا أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد موضع اهتمام أميركي، وإنما تنظر واشنطن إليها من زاوية ما يخدم تحقيق الأولويات الاستراتيجية الجديدة، فالولايات المتحدة لا تستطيع أن تركز جهودها على هذه الأولويات من دون تحقيق مجموعة أمور أبرزها:
أولاً: توفير أفضل الشروط الموضوعية لضمان أمن الكيان الإسرائيلي، وفي هذا الإطار عملت وتعمل واشنطن على مجموعة مسارات متكاملة:
أ ـ توفير أعلى درجات الدعم والتنسيق العسكري والأمني.
ب ـ تعطيل السلاح الكيمائي في سوريا.
ج ـ السعي لحل الملف النووي بما يضمن عدم ـ بحسب نظرتهم ـ تحوله إلى مشروع نووي عسكري.
د ـ السعي للاستفادة من مجمل الظروف الحالية التي تعتبر مثلى لتحريك المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وصولاً إلى فرض تسوية بالشروط الإسرائيلية.
ثانياً: السعي إلى التفاهم على إدارة الأزمات وحل بعضها لا سيما تلك التي لديها قابلية التطور إلى درجة تهدد السلم والأمن الدوليين، والسعي أيضاً إلى توفير الظروف والشروط الملائمة لضمان خروج آمن من المستنقعات التي خلّفها بوش الابن للولايات المتحدة.
ثالثاً: الاطمئنان إلى ما من شأنه حفظ المصالح الحيوية للأمن القومي الأميركي في المنطقة، وفي طليعتها ضمان تدفق النفط، وشبكة العلاقات مع الحلفاء.
يضاف إلى ما تقدم، إدراك واشنطن أن الواقع الحالي الذي تمر به المنطقة، والذي يتصف بسيولة شديدة، يحول دون تبني سياسات ثابتة يمكن التعويل عليها، وبالتالي اعتماد سياسة مراقبة ومتابعة وتدخّل عن بعد، وتجنب أي انخراط مباشر مكثف وقوي.
إن مجمل هذه الاعتبارات هي التي أملت على واشنطن عدم الاستئثار بقيادة العالم، وإلى المسارعة لملاقاة موسكو، وفتح الأبواب مع إيران، والإقرار بأن لا حل إلا الحل السياسي للأزمة السورية.
إن المعضلة الرئيسية التي تواجهها إدارة أوباما تتمثل على نحوٍ رئيسي في كيفية التوفيق بين متطلبات أولوياتها الاستراتيجية الجديدة، ومتطلبات أولويات حلفائها الرئيسيين في المنطقة وتحديداً السعودية والكيان الإسرائيلي.
إن التضارب القائم بين هذه المتطلبات هو المسؤول عن الخلافات القائمة حالياً. وهذا التضارب في العمق أكثر من تكتيكي، وإن لم يصل إلى حدود الافتراق الاستراتيجي الكامل، إلا أنه ولا شك، سيشكل نوعاً من الإعاقة والتباطؤ في الحركة الأميركية باتجاه أولوياتها الاستراتيجية الجديدة، حيث يصعب على واشنطن عزل أي ملف من الملفات المطروحة على طاولة البحث عن تأثيراتها الطبيعية على صورة المنطقة وتوازناتها، وبالتالي اصطدامها بحسابات حلفائها الإسرائيليين والسعوديين.
وفي هذا الإطار كان طبيعياً أن يكون جنيف ـ 2 أولى ضحايا هذا التقارب، الأمر الذي سيعني فيما يعنيه هو إبقاء الأزمة السورية مفتوحة على الصراع المسلح، خصوصاً إذا صحت الأنباء أن الرياض بصدد جهد استثنائي مع باكستان لتشكيل جيش نظير لطالبان، وبالتالي الإمعان في اعتماد الحل العسكري حتى النهاية، ما يعني بدوره إبقاء حرب الاستنـزاف المدمرة لسوريا بل وللمنطقة.
العهد
12/5/131111
https://telegram.me/buratha