جورج علم* كاتب سياسي لبناني
حتى الآن لا تزال الأمور تحت السيطرة، تحريك الودائع المالية، ونقض عقود التسلّح، خطّان أحمران، أيّ تجاوز لأيّ منهما يعني أنّ العلاقات السعوديّة ـ الأميركيّة قد تجاوزت مرحلة الترميم، وإندفعت نحو المواجهة المفتوحة، ولا شيء حتى الآن يوحي بأنّ العلاقات ستسلك المعارج الصعبة، كذلك لا شيء يوحي بأنها تتجه نحو المهادنة.
دعوة الموفد العربي الدولي الأخضر الإبراهيمي المملكة الى المشاركة في مؤتمر “جنيف ـ 2″، تنطوي على مؤشرين، الإقرار بمكانتها، وحجم تأثيرها في عدد من أطياف المعارضة السوريّة، وأيضاً تحميلها مسبقاً مسؤولية أيّ فشل قد يصيب المؤتمر، ويؤدي الى تأجيل إنعقاده.
والواضح حتى الآن أنّ المناخات لا تساعد على التهدئة، والدليل أنّ خطاب الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله الأخير قد إستفزّ تيار “المستقبل”، وقوى 14 آذار، وهو يعكس من المنظار الديبلوماسي مناخاً غير ودّي ما بين إيران والسعوديّة، ويمحو من الذاكرة “الكلام العذب” الذي قاله الرئيس حسن روحاني عن المملكة بُعَيد إنتخابه، وأيضا دعوة العاهل السعودي إليه لتأدية مناسك الحج.
وتأتي جولة أمير قطر تميم بن حمد الخليجيّة لتثير تساؤلات حول التوقيت والأبعاد كونها لم تبدأ من السعودية، وفي هذا خروج كبير عن البروتوكول المتبع بين دول مجلس التعاون، ذلك أنّ اللياقات تقضي بأن تبدأ من الرياض، وليس من أيّ عاصمة خليجيّة أخرى، وفي هذا رسالة واضحة الى القيادة السعوديّة لا بدّ من أن تستوعب ما تنطوي عليه من إيحاءات أميركيّة واضحة.
وإغتنم قادة دول مجلس التعاون المناسبة، لتوجيه رسائل عدة الى المملكة من خلال مظاهر الحفاوة بالأمير القطري الشاب، إحداها تسجيل عتب شديد على القيادة السعوديّة التي سارعت الى رفض عضوية مجلس الأمن من دون التنسيق المسبق مع شركائها الخليجيين الذين يعتبرون أنّ هذا المنصب ليس حكراً عليها، بل هو من نصيب جميع دول مجلس التعاون، وقد تمّ إختيارها كونها الأكبر مساحة، ونفوذاً.
كذلك تعكس حرارة الإستقبال رسالة إعتراض على المواجهة التي بدأتها المملكة ضدّ إدارة الرئيس باراك أوباما من دون التشاور والتنسيق المسبق ما بين القادة الخليجيّين. وينطلق هذا الإعتراض من خلفيّتين، الأولى: “انّ الكيانات الخليجيّة، إنما هي محميات أميركيّة، وأيّ خلل أو خطأ في الحسابات يمكن أن يؤدي الى تداعيات وكوارث لا تحمد عقباها”. والثانيّة: “انّ مثل هذه “السياسة الغاضبة المنفعلة من شأنها أن تفتعل خصومة مجانيّة مع إيران من دون أيّ ضمانات، او مردود إيجابي؟!”.
من هذا المنطلق تحديداً يمكن إعتبار “الإحتضان الكبير” للأمير القطري بمثابة إطراء خليجي على سياسة الإنفتاح التي يقودها في إتجاه الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، في إعتبار أنّ جولته تتزامن مع الإنجاز الذي حققته الدوحة في معالجة ملف محتجزي أعزاز، والإفراج عنهم في إطار صفقة شاءتها رسالة مرمّزة، وعميقة المعاني، برسم حزب الله في لبنان، والنظام في دمشق، والقيادة في طهران. وهذا ليس الإنجاز الأول، إذ سبق للأمير تميم أن إغتنم مناسبة حلول عيد الأضحى ليجري إتصالاً مطولاً مع الرئيس الإيراني ضمّنه دعوة رسميّة لزيارة الدوحة.
ويقول ديبلوماسي خليجي “فتّش دائماً عن أميركا، وعليك أن تعرف مسبقاً ماذا تريد، لتعرف كيف يجب أن تتصرّف؟!”. ويضيف: “من خلفيات دعوة الإبراهيمي، الى خلفيات ملف أعزاز، الى خلفيات تحرّك الأمير القطري، وجولته في هذا التوقيت، هناك الوحي الأميركي، هناك الوشوشات التي تريدها واشنطن أن تصل الى السعوديّة بأساليب، وإيحاءات تخدش لكنّها لا تجرح، لأنها تعتقد بأنه لا يزال في المملكة لبيب من الإشارة يفهم، قبل أن تتطوّر المسائل، وكذلك الأساليب؟!”.
في لبنان يحمل العائدون من الدوحة إنطباعات جيدة عن زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي العاصمة القطريّة أخيراً، ويؤكدون أنها كانت موفّقة من حيث بعدها الوطني، وأيضاً من حيث بعدها الكنسي المسيحي، إذ ليس سهلاً أن تعلن قطر إلتزامها العمل على إنجاح الجهود الرامية للإفراج عن المطرانَين المحتجزَين من ايدي جهات أصوليّة متشددة.
27/5/13111
https://telegram.me/buratha