علي البقاعي
غداً السبت الأول من تشرين الثاني يصادف الذكرى السادسة والتسعين لوعد بلفور المشؤوم الذي أعطاه وزير خارجية بريطانيا اليهوديّ آرثر جيمس بلفور عام 1917 لليهود الصهاينة بإقامة دولة لهم في فلسطين على حساب شعبها ونفذته قوات الاحتلال البريطاني على مراحل بالتعاون مباشرة ومداورة مع عصابات «الشتيرن» و»الهاغانا» اليهودية وأعانتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وهاجمت العصابات الصهيونية الفلسطينيين عام 1948 بالأسلحة البريطانية وهَجّرتهم من ديارهم… وتستمرّ إلى يومنا هذا في اقتلاعهم وتهجيرهم.
رغم أن كثراً في أمتنا سمعوا بوعد بلفور لكني أجد لزاماً عليّ إعادة نشر النص الحرفي للوعد البلفوري لليهود بفلسطين في رسالة بعث بها وزير الخارجية البريطانية عام 1917 إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة لعلّ الذين صمّوا آذانهم وأغمضوا عيونهم عن حقيقة الاستيطان اليهودي في فلسطين ومن بعدها الأمة بأكملها بأشكال مختلفة مرة بالطائفية ومرة بالكيانية وأخرى بديمقراطية تتشبّه بالغرب مرفقة بفقدان السيادة القومية والأنانية والعصبيات الدينية والقبلية فكانت النتيجة ما نحن عليه اليوم. وهنا نص تلك الرسالة المشؤومة:
«عزيزي اللورد روتشيلد :
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية وقد عرض على الوزارة وأقرّته:
إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهوديّ في فلسطين وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى. وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيونيّ علماً بهذا التصريح».
ولتنفيذ وعد بلفور كان عقد مؤتمر سان ريمو في إيطاليا إذ وضعت فلسطين في هذا المؤتمر تحت الانتداب البريطاني رسمياً وعُيّن أول مندوب سامي يهودي في فلسطين هربرت سامويل الذي أصدر مجموعة قوانين لبسط السيطرة الصهيونية على فلسطين في مجالات تملّك الأراضي والجنسية والهجرة اليهودية واللغة العبرية وتهويد الإدارات وتعيين عدد من اليهود في مناصب حساسة ومنح الامتيازات لليهود المهاجرين وقانون النقد ومنح المستثمرين اليهود امتيازات كامتياز البحر الميت وتجفيف بحيرة الحولة إضافة إلى عشرات الخطوات التي ساعدت دولة الوصاية البريطانية في تنفيذها في غفلة عن أهل البلاد الأصليين.
كان الزعيم أنطون سعاده مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي من أوائل الذين تنبّهوا إلى خطر وعد بلفور فكتب في مقالة نشرت عام 1922 وكان في الثامنة عشرة من عمره: «وعد بريطانيا لليهود بجعل فلسطين وطناً قومياً لهم سيكون في صفحات التاريخ لعنة أبدية على بلفور والسياسة الإنكليزية… وعد أقلّ ما يقال فيه إنه أسوأ العهود الدنيئة في تاريخ الدول لأنه فضلاً عن أنه عهد غير مبنيّ على شيء من العدل الإنسانيّ والحق الطبيعيّ جاء طعنة من الوراء في ظهر الشعب السوريّ وانتهى بهذا الغدر الذي قلّما سمع بمثله وهو غدر صادر عن أسمى مقام سياسيّ في أوروبا بوقاحة وصلابة جبين يخجل عن إتيان مثلهما البرابرة فضلاً عن المتمدّنين الذين يفهمون الحقوق الإنسانية». وكتب سعاده عام 1925 في مجلة «المجلة» في ساو باولو البرازيل: «لا يعضد الحركة الصهيونية من العالم الخارجي إلاّ وعد بلفور بجعل فلسطين وطناً قوميّاً لليهود. هذا الوعد هو ضدّ الرأي العام في الشرق والغرب معاً فلا الشعوب المسيحيّة ترضى عنه ولا الشعوب الإسلامية ولا غيرها لأنّه فضلاً عن أنّ فلسطين أرض سورية لا يجيز الحق الطبيعي والاجتماعي إخراج السوريين منها… فهي مبعث المسيحية وقسم من البلاد التي ازدهر فيها الإسلام. رغماً من كل ما تقدم ومن أن الحركة الصهيونية غير دائرة على محور طبيعي تقدّمت هذه الحركة تقدماً لا يستهان به. فإجراءاتها سائرة على خطة نظامية دقيقة وإذا لم تقم في وجهها خطة نظامية أخرى معاكسة لها كان نصيبها النجاح. ولا يكون ذلك غريباً بقدر ما يكون تخاذل السوريين كذلك إذا تركوا الصهيونيين ينفّذون مآربهم ويملكون فلسطين… نحن أمام الطامعين والمعتدين في موقف تترتّب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما: الحياة والموت. وأيُّ نتيجة حصلت كنّا نحن المسؤولين عن تبعتها».
هنا أستذكر ما يقال أن جدّ سعود وبندر الراحل الملك عبد العزيز آل سعود تعهّد به في رسالة مكتوبة بخط اليد بعث بها إلى السير برسي كوكس المندوب البريطاني في الفترة التي تلت وعد بلفور وهي أشدّ خطراً من الوعد نفسه ونصّها:
«بسم الله الرحمن الرحيم. أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أقر وأعترف ألف مرة للسير برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى لا مانع عندي من أن أعطي فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم وكما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتى تصبح الساعة».
تغيّرت الدولة المستعمرة والرؤساء والملوك وبقيت النوايا السيئة ولغة الكذب والخداع لدى العرب. ما زال الغربيون يستخدمون الأساليب الماكرة ذاتها وما زال الكثير من العرب خاصة أعراب الخليج يصدقونهم ربما بسبب لون عيونهم الزرقاء المتميّزة ولكنتهم المحبّبة التي يتقنها ويا للعجب بندر وابن عمه سعود الإعرابيان الأصيلان فكان إخلاصهما لتطبيق ما تبقّى من وعد بلفور بالتآمر على سورية ولبنان والعراق حتى أنهما يستحقان أن تُستحدث جائزة خاصة تمنح لهما لإخلاصهما في خدمة القضية اليهودية.
19/5/13111
https://telegram.me/buratha