د. ليلى نقولا الرحباني
تتجه الأزمة السورية – ولو ببطء – للدخول في مسار التسوية المفترَض أن تظهر بشائرها بعد أن يرتّب الأميركيون وضع حلفائهم ووكلائهم من الأوروبيين والأتراك والسعوديين، والذي سينسحب بسرعة على المعارضة السورية التي ستذهب صاغرة إلى “جنيف-2″ حالما يأمرها ممولوها بذلك.
وهكذا، يبدو أن التفاهم الروسي – الأميركي الذي ظهرت تباشيره في ملف الكيمائي السوري سينسحب على ملفات عدّة ستظهر تباعاً، مما حدا بالمملكة العربية السعودية لأن تظهر حنقاً وحَرَداً غير مسبوقيْن في العلاقات السعودية – الأميركية، وجعلت العجائز السعوديين يتخلوْن عن تحفّظهم ودبلوماسيتهم المعهودة في التخاطب الإعلامي، وإطلاق المواقف في القضايا الإقليمية الراهنة، ومنع “الائتلاف السوري” من القبول بالذهاب إلى التسوية، ما دفع الأميركيين إلى التهديد بالاتكال على معارضة الداخل التي أعلنت منذ بداية المعارك بأنها مع الحل السلمي وتقاسم السلطة مع النظام.
ويبدو أن الأميركي الذي يتجه إلى الاستقلالية والاكتفاء الذاتي في النفط والغاز – كما يقول الخبراء الأميركيون – بات يدرس خياراته الاستراتيجية المستقبلية على ضوء هذا المعطى الجديد، والذي قد يكون أحد الأسباب الأساسية في تغيير الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أن تجارب العراق وأفغانستان المكلفة باتت نماذج تخشى الإدارة أن تكررها في سورية، مما يجعلها تدفع أثماناً مضاعفة في المستقبل، تفوق أي تنازلات اليوم قد تقدّمها من ضمن تسوية شاملة في المنطقة.
عاجلاً أم آجلاً ستظهر التسوية في سورية كتتويج لنضوج تسوية كبرى بين الأميركيين والروس، بعد أن يكون الأميركي قد اقتنع نهائياً بأنه لا مناص من أن يتقاسم النفوذ في منطقة الشرق الاوسط، وهو ما سينسحب على العديد من الملفات الاستراتيجية وعقود الإعمار والنفط وغيرها، مما يضيف خسائر إضافية إلى مجموعة الخاسرين في الميدان السوري، وتبدو مؤشرات التسوية الكبرى في معطيات عدّة، منها:
- الدخول الروسي الاستثماري في المنطقة، والذي بدأ يظهر في مجالي النفط والطاقة بشكل خاص. ففي مجال الطاقة النووية، على سبيل المثال، أعلنت الأردن عن اتفاق بين الحكومتيْن الأردنية والروسية لإنشاء أول محطة نووية في الأردن، ويشتمل على اختيار تكنولوجيا المفاعلات النووية الروسية، والمقدَّم من شركة “أتوم ستروي إكسبورت” كجهة مزودة للتكنولوجيا النووية، كما يشتمل على اختيار الشركة الروسية “روست أتوم أفرسيز” كشريك استراتيجي ومستثمر مشغّل للمحطة النووية الأردنية الأولى، علماً أن الأردن تُعدّ من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، ولم تكن الحكومة الأردنية لتوقّع مشروعاً كهذا مع الروس لو لم يكن الأميركي وافق على ذلك مسبقاً.
- نقاش سياسي وإعلامي وأكاديمي في الولايات المتحدة، يبحث في مدى جدوى استمرار معادلة “الأمن مقابل النفط” في الخليج، أي أن الولايات المتحدة الأميركية لن تعود ملزمة على تقديم الحماية للمشيخات الخليجية مقابل سيطرتها على النفط والغاز ومنابعه وأنابيبه بعد اكتشاف الـ«شايل» الأميركي.
- انتصار روسيا في تثبيت حكم بشار الأسد، عنى في ما عناه انتصارها في حرب أنابيب الغاز التي كانت ستهدد مصالحها الاقتصادية في أوروبا فيما لو انتصرت المعارضة السورية “الإخوانية” المدعومة من قطر، والتي كانت تخطط لإيصال الغاز القطري و”الإسرائيلي” إلى أوروبا عبر سورية. الخاسر في حرب الأنابيب هذه كانت “إسرائيل” الداخلة إلى الدول النفطية حديثاً، وأوروبا التي تعاني من أزمة اقتصادية هائلة، وحيث تبلغ أسعار الغاز فيها ثلاثة أضعاف ما هي عليه في الولايات المتحدة الأميركية، علماً أن كلفة الإنتاج الصناعي العالية جداً تجعل القدرة الأوروبية على المنافسة الصناعية في الأسواق العالمية صعبة جداً.
إذاً، دخل الروس معركة تثبيت الحكم السوري، وانتصارهم فيها من خلال تسوية كبرى سيضمن لهم مصالحهم الاقتصادية في الشرق الأوسط وأوروبا معاً.
وهكذا، وإن لم يستدرك نفسه، سيجد “الائتلاف السوري” نفسه خارج هذا الحراك الدولي المتَّجه إلى تكريس صفقة “بوتين – أوباما”، أما الخاسر الأكبر فعلياً فقد تكون المملكة العربية السعودية، التي هدد جورج بوش يوماً بأن الحرب على الإرهاب تعني القضاء على الفكر التفكيري الذي يدرَّس في المدارس التي تنشئها المملكة العربية السعودية في شتى أنحاء العالم، وهو ما يحتّم تقسيم المملكة إلى دول عدّة. فهل يمكن أن تعود نظرية التقسيم هذه إلى الظهور مجدداً داخل الإدارة الأميركية إن ظهر أن الحكم السعودي بات عائقاً أمام تحقيق المصالح الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط؟
8/5/131031
https://telegram.me/buratha