كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن منطقة القلمون السورية، وعاش اللبنانيون قبل السوريين أجواء المعركة وكأنها تجري في أحيائهم وشوارعهم، مفخخة تنفجر هنا وأخرى يتم تتبع مسارها والقبض على من فيها أو قتلهم، وقصف إعلامي متواصل يتحدث عن آلاف المقاتلين المحتشدين على سفوح السلسلة الشرقية لجبال لبنان من الجهة السورية، ستون ألف مقاتل، هو آخر ما تفتقت عنه قريحة «معلومات» أحد الصحفيين اللبنانيين، حتى بتنا نخشى أن نستيقظ في اليوم التالي وشوارع بيروت تعج بالمقاتلين الوافدين من مختلف أصقاع الأرض إلى بلادنا، والسؤال لا يتوقف: «أين الحقيقة من كل ذلك»، هل ستجري المعركة قبل الشتاء وموسم الثلوج، أم بعده للاستفادة من حالة الإنهاك التي قد يتسبب بها حصار المنطقة المشدد مستفيداً من العوامل الطبيعية التي ستقفل الممرات التي تستخدم للتهريب من لبنان.
بغض النظر عن الجهل الواضح في كتابات البعض وتقاريرهم، لطبيعة المنطقة وجغرافيتها وللواقع الميداني الموجود على الأرض حالياً، الجهل الذي تجلى فيما كتبه أحدهم عن أن بلدة القلمون السورية هي بلدة بدائية ريفية، وغاب عن علمه وقلمه أنها منطقة إدارية وجغرافية سورية أكبر من محافظات لبنان، كان من الواضح أيضاً أن السياق الإعلامي للعديد من التقارير محض «تهويل» مقصود، يريد من يقف وراءه ويسرب له المعلومات أن يوصل الرسائل «المهددة» إلى الداخل اللبناني قبل إيصالها للجيش السوري والقيادة السورية.
كثيرة هي المغالطات التي وقع فيها البعض في تأكيده ضرورة بدء المعركة قبل الشتاء، وكأن الجيش السوري سيواجه نفس المشكلة التي سيواجهها المسلحون في الشتاء، وتناسى هؤلاء أن الوحدات الخاصة المدرعة التي من المفترض أن تشارك في هذا النوع من المعارك هي مدرعات روسية صممت وتمت تجربتها في أصعب الظروف الجغرافية والمناخية المشابهة تماماً للطبيعة الموجودة في منطقة القلمون، إن لناحية المرتفعات، الصقيع، الثلوج، أو الوحول الناتجة عن اختلاط التربة بمياه الثلوج الذائبة.
في القراءة التالية سنبين أن الموانع لانطلاق المعركة بشكل مختلف عن حيثياتها الحالية، ليست مسألة طقس أو مناخ أو حتى عوامل سياسية خارجية، انطلاقاً من أن الجهوزية العسكرية والقدرة الحركية للجيش السوري حالياً أو لاحقاً هي نفسها فيما يخص هذه المنطقة بالتحديد، وبالتالي تأكيد أن المسألة هي فقط قضية قرار يتعلق بأولويات القيادة السورية، وحساباتها العسكرية والميدانية الخاصة.
قراءة عسكرية في موازين القوى العسكرية في القلمون
المدرعات
من أبسط الأمثلة على قدرة الجيش السوري على خوض «حرب القلمون» في الشتاء، دبابة تي 72 التي تتميز بقدرتها العالية على المناورة بفضل جهاز التعليق عالي الكفاءة وقوة محركها وخفة وزنها (44 طناً) مقارنة بدبابات القتال الرئيسية الأخرى (الميركافا 63-65 طناً) كما تتميز بقدرتها النارية العالية بفضل جهاز التلقيم الآلي إذا تستطيع رمي من 6 إلى 8 طلقات مدفع في الدقيقة الواحدة مقارنة ببقية الدبابات (الميركافا 1-2 طلقة في الدقيقة) وعيار المدفع الكبير مقارنة بدبابات الفترة التي صنعت فيها (الميركافا 105 ملم) كما تتميز بقدرتها الكبيرة على الاختفاء ضمن تضاريس الأرض بسبب صغر حجمها وانخفاض أعلى نقطة فيها 2.19 م مقارنة ببقية الدبابات (الميركافا ارتفاعها 2.7 م) إضافة إلى عدد طاقمها الذي هو أقل بعنصر من عدد الطواقم اللازم لتشغيل بقية الدبابات وهو ما يوفر التدريب ويخفض عدد الخسائر البشرية.
كما من المعلوم أن الجيش السوري يمتلك دبابات من نوع تي-80 وتي-72 وتي-64 وتي-55 ودبابات من نوع تي-90.
وبما أن أعلى التقديرات يتحدث عن امتلاك «جيش الإسلام» بقيادة زهران علوش 27 دبابة تي 72، الأمر الذي لم تؤكده المصادر العسكرية المتابعة، من الطبيعي التساؤل عن قدرة هذا العدد على مواجهة فرقة مدرعة من الجيش السوري كالفرقة الثالثة التي تتمركز ألويتها في منطقة القلمون وتتألف من أربعة ألوية وفوجين وكتائب مستقلة:
الألوية والأفواج: اللواء 81 دبابات، اللواء 65 دبابات، اللواء 20 دبابات ، اللواء 21 ميكا ، الفوج 14 مدفعية، فوج إصلاح.
الكتائب والسرايا المستقلة : كتيبة استطلاع – الكتيبة الطبية – كتيبة الخدمة – كتيبة الإشارة – كتيبة الهندسة – سرية المقر (قوام كتيبة مشاة لحماية قائد الفرقة) – سرية شرطة عسكرية – سرية الزراعة .
ويعتبر العمود الفقري في تسليح الفرقة الثالثة الدبابات من طراز t72m1 و t72m1m ويبلغ عددها حوالي 350 دبابة (من أصل 4700 دبابة يملكها الجيش السوري) موزعة في كل لواء دبابات حوالي 100 دبابة وفي لواء الميكا 40 دبابة إضافة إلى دبابات التدريب في حقل السياقة. كما أن هذه الفرقة مسلحة بعربات bmb1 عدد 200 عربة وعربات دفاع جوي طراز شيلكا عدد 36 ومدفعية محمولة طراز فوزديكا عدد 24 ومدفعية مقطورة.
المشاة
بلغ تعداد مقاتلي المعارضة السورية في أعلى التقديرات حوالي 25000 إلى 30000 مقاتل (إذا تجاهلنا مبالغة أحدهم المفضوحة بتقديرهم بـ 60 ألفاً)، وفيما لا يوجد تقدير جيد لدرجة التدريب والتسليح والخبرة القتالية لكل مقاتل يتعامل المراقبون مع مسألة تقدير كفاءة المقاتلين التابعين للمعارضة بناء على نتائجهم خلال معارك سابقة، وبما أن أغلب الألوية الموجودة حالياً في منطقة القلمون قد جاءت من مناطق أخرى بعد معارك مع الجيش السوري، مثل:
– «لواء الإسلام» سابقاً، التابع لزهران علوش والذي سبق وانهزم أمام الجيش السوري في معارك الغوطة الشرقية والريف الدمشقي.
– «مقاتلو بابا عمرو» المنهزمون من معركتي بابا عمرو وريف القصير.
– عناصر «جبهة النصرة» المنهرمون من الريف الدمشقي.
– عناصر «داعش» المستقدمون من ألوية وكتائب انفرط عقدها.
– مسلحو ريف القصير وريف حمص الهاربين من المعارك هناك.
لا يعول المراقبون العسكريون كثيراً على كفاءة المسلحين بقدر احتسابهم لقدرة هؤلاء المقاتلين على التنقل والاختباء واستخدام أساليب حرب العصابات في مواجهة الجيش السوري كأفضلية لهم مع إشارتهم إلى أن الجيش السوري قد طور كثيراً من كفاءة عناصره في مواجهة حرب العصابات والشواهد على ذلك كثيرة في معارك الغوطة الأخيرة.
تمتلك الفرقة الثالثة ما تعداده 10،000 إلى 15،000 جندي بما فيهم المتطوعون أو المجندون الاحتياطيون الذين التحقوا بالخدمة بعد اندلاع الأزمة، وفي الوقت الذي انضم الى الجيش العديد من العناصر والمقاتلين ضمن ألوية الدفاع الوطني، تأسست إلى جانبه مجموعات قتالية شعبية أطلق عليها اسم اللجان الشعبية، وهي تتألف من آلاف العناصر المدربين على حرب العصابات والذين يتميزون بقدرتهم على مجاراة خصومهم من المقاتلين في صفوف المعارضة, هذا في حال لم يتم استقدام أي تعزيزات إضافية سواء من المشاة أو من القطاعات الأخرى في الجيش السوري.
العبوات والكمائن
يمكن مناقشة معطيين أساسيين لقياس مدى تأثير العبوات والكمائن على أي اندفاعة للجيش السوري في منطقة القلمون، وهما:
1- مدى استفادة المسلحين من العبوات في الغوطة الشرقية وفي معلولا.
2- أي الكمائن كان أكثر فعالية، كمائن الجيش السوري أم المسلحين؟.
في موضوع العبوات استطاعت وحدات الهندسة في الجيش السوري إبطال مفعول العبوات إلى حد كبير في منطقة الغوطة الشرقية، وعملت تلك الوحدات في مقدمة الوحدات المهاجمة، وتميزت بحركة وفعالية عالية استفادت خلالها من خبراتها المتراكمة في تنظيف كافة الطرق والجسور والمداخل التي سيستخدمها الجيش في عملياته، كما استطاعت بعد السيطرة على العديد من البلدات تكوين فكرة كاملة عن طريقة عمل العبوات وأنواعها، وكيفية إبطال مفعولها وتفكيكها بسهولة فائقة، واعادة استخدامها عكسياً في طرق إمداد المسلحين (طريق عدرا – الضمير مثالاً).
فقط في معلولا، استطاعت العبوات الموضوعة على طرقاتها المرتفعة صعوداً عرقلة تقدم وحدات الجيش، ليس بسبب فعاليتها أو القدرة على تمويهها وإخفائها، بل بسبب التواجد الكثيف للقناصة في المناطق المرتفعة المشرفة، والتي اضطر الجيش الى التعامل معها بوسائل مختلفة تمهيداً لتأمين التغطية لوحدات الهندسة لتفكيك العبوات وإزالتها.
أما الكمائن، فقد أثبتت العمليات الأخيرة للجيش على طول خط العتيبة – الضمير – عدرا – ميدعة، تقدمه الكبير على المسلحين في نصب الكمائن الناجحة وإلحاقه خسائر فادحة بهم، وصلت في بعض العمليات إلى ما يفوق المئة قتيل.
في الواقع الجغرافي والسيطرة الميدانية
يعتقد كثيرون أن الواقع الميداني في منطقة القلمون مسيطر عليه بالكامل من قبل جماعات المعارضة المسلحة، بينما في الحقيقة وعلى الأرض استطاع الجيش السوري وبعمليات نوعية تقطيع أوصال معظم مناطق القلمون عن بعضها البعض كما كان له تواجد أساسي خصوصاً للألوية المتخصصة في بلدات القلمون، كالقطيفة والرحيبة ومعلولا وصيدنايا وتلفيتا وطريق دمشق – حمص (استعاد صدد بالكامل أمس)، وبات له العديد من النقاط العسكرية والمراكز والحواجز على الطرقات الواصلة بين بلدات القلمون.
بالإضافة إلى كل ذلك، يمتلك الجيش السوري في القلمون قواعد وثكنات ومخازن أسلحة ومرابض مدفعية وصواريخ محصنة ومحمية بالآلاف من الجنود المدربين من الفرق الخاصة والمتطوعين.
المناوشات والاشتباكات لم تتوقف يوماً في القلمون، وكانت محاور النبك وقارة ومعلولا وصدد هي الأعنف مؤخراً، فبعد فشلهم في معلولا انتقل المسلحون إلى الجهة الأخرى الأبعد من القلمون وشنوا هجوماً على بلدة صدد التاريخية الأثرية، وقام آخرون تابعون لما يسمى الكتيبة الخضراء (السعودية الرعاية) بتنفيذ هجومين انتحاريين على حاجز تابع للجيش السوري في النبك، الأمر الذي أعاد مجدداً هذه المنطقة الى الواجهة الإعلامية، مع العلم أن انتهاء العمليات العسكرية في القصير كان سابقاً بوقت طويل لهذه التطورات.
في السياق الإعلامي
لا يمكن فك الارتباط بين الهجمات المتكررة لجماعات النصرة والقاعدة على المدن المسيحية تحديداً عن «الترويج الإعلامي» لمعركة القلمون، ومحاولة إعطائها أبعاداً مختلفة عن السياق الميداني العسكري اليومي السائد منذ فترة طويلة، كما لا يمكن فصل هذه الهجمات (الفاشلة) في التوقيت عن الهجمات الانتحارية الانتقامية العنيفة التي شنت على حاجز النبك وشارك فيها سعوديون وليبيون وكان المشرف على إعدادهم وتوجيههم ومرافقتهم هاتفياً حتى نقطة الهدف «خليجي» بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
إذاً هي عملية انتقامية تتم تغطيتها اعلامياً بشكل مكثف، وتصب المعلومات التي يغدق بها من يسمون بالمصادر الإعلامية من جهة المسلحين على الصحفيين منذ فترة ليست بالوجيزة، في محاولة لاستجلاب تغطية أكبر وأوسع شبيهة بتلك التي شهدتها معارك «ريف القصير»، وفي نفس الوقت يحاول «الراعي الرسمي» لهذه الجماعات، الموسوم بالعقال السعودي، دفع المزيد من المقاتلين الى المنطقة وحشدهم فيها استعداداً لما يريده هو من «إنجاز»، يصفه «مراقبون غربيون» بالخيار الأخير والمحدود للسعودية.
الدبلوماسيون الغربيون الذين قضوا مؤخراً وقتاً، مع الأمير “بندر بن سلطان”، رئيس المخابرات السعودية, والذي يدير عمليات الرياض فى سوريا، يقولون إنه يبدو أكثر انشغالاً ليس بقوات الأسد وإنما بعدد الجهاديين الأجانب فى سوريا، بحسب ما نقلت عنهم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية..
وتضيف الصحيفة أن أولئك الجهاديين الأجانب يقدر عددهم بين 3 و5 آلاف، بما في ذلك حوالى 800 من السعوديين، الذين تتعقبهم الحكومة السعودية عن كثب، ووفقا لمسؤول أميركى، فإن بندر يتوقع تضاعف هذا العدد كل ستة أشهر.
إذاً هو الخيار «السعودي» الوحيد والأخير على الطاولة، والسعودية تلعب أوراقها كاملة للمرة الألف في المنطقة، وهي لم تتعلم من الهزائم المتواصلة أن لعبة «التفاوض» على «الموقع» لا تستدرج برمي الأوراق على الطاولة، بل بتجميعها، ثم رفعها بوجه الخصم تدريجياً.
موقف حزب الله
حاول كثيرون تحميل موقف حزب الله من معركة القلمون ما لا يحتمل، وتحدثوا عن حشد ما لا يقل عن 15000 مقاتل لهذه المعركة، في الوقت الذي يؤكدون أن حزب الله يخصص لمناطق أخرى آلاف المقاتلين، من الغوطة إلى حمص إلى حلب، وصولاً إلى درعا ودير الزور، وفي حسبة بسيطة يكون حزب الله قد دفع بكافة مقاتليه المدربين المحترفين إلى الميدان السوري، كاشفاً كافة مواقعه ومراكزه الحيوية في لبنان للعدو الإسرائيلي، فيما العدو يتفرج ولا يستغل الفرصة.!
قد يكون البعض بهذه السذاجة لكن الإسرائيليين ليسوا كذلك، وهم لن يتوانوا عن استغلال الفرصة للاقتصاص من الحزب على الهزيمة التي الحقها بهم.
إذاً للوقوف على حقيقة موقف حزب الله لا بد أن نستذكر موقفين مهمين يوضحان حقيقة موقفه من المسألة السورية بشكل عام، ويشكلان أساس موقفه بشأن القلمون:
1- إعلان الحزب أنه معني بأمن القرى الحدودية في البقاع بشكل عام، وبالتالي أنه سيدافع من دون تردد عن تلك القرى والحدود وبكل القوة التي يستطيع استخدامها.
2- إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن الحزب سيكون في سوريا «حيث يجب أن يكون» دفاعاً عن المقاومة وعمقها الإستراتيجي.
إذاً بالعودة إلى فرضية المعركة القادمة، وبناء على الأحداث، وبالنظر إلى الموقف الثابت للقيادة السورية، فإن المعركة مفتوحة والحساب لم يغلق، فكما هاجم المسلحون في معلولا والنبك وصدد، قام الجيش بعمليات في تلفيتا وعلى طريق دمشق – حمص الدولي، وحيث يوجد حاجة ميدانية تتوافق مع مخططاته العسكرية، ولا شيء يستدعي البحث في أصل حصول المعركة الحاصلة، إلا حاجة سياسية لدى طرف يستجدي الخسارة تلو الخسارة، في الميدان كما على طاولة المفاوضات.
*العرضة النجدية هي رقصة شعبية سعودية.
4/5/131027
https://telegram.me/buratha