مارلين خليفة
تحاول الدوحة في عهد أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد بن خليفة بن حمد آل ثاني، الذي تولى السلطة في 25 حزيران الفائت، استعادة دور الوسيط وإمساك العصا من وسطها، بعد أن ذهبت بعيدا في سياساتها وصارت طرفا في أكثر من ملفّ عربي شائك، وبعد تورطها العسكري في سوريا.
ظهرت أولى مبادرات قطر «السلمية» في إرسالها شحنات من الغاز الطبيعي المسال الى مصر، وثانيتها في تأديتها دورا أساسيا في إطلاق المخطوفين اللبنانيين في أعزاز أخيرا، وهي تطمح للعودة الى المشهد السياسي العربي بعد أن استبعدها الأقطاب الإقليميون الأقوياء عنه وعزلوها حتى عن المشاركة في مؤتمر جنيف 2 العتيد، وهي التي دفعت «أثمانا باهظة» ماديا ومعنويا بهدف الإمساك بالملف السوري.
ما يجذب قطر الى دور الوسيط هو تراجعها عن لعب دور في سوريا على وقع استعادة نظام الرئيس السوري بشار الأسد زمام المبادرة ميدانيّا، وإثر التقارب الأميركي الإيراني. «هكذا «طلعت قطر من المولد بلا حمص» كما يقول سياسي خليجي ضليع بالشأن القطري لـ«السفير».
مضيفا: «لم يدع أحد قطر الى مؤتمر جنيف 2 على الرغم من دفعها أثمانا في سوريا، ولم يُحسب لها حساب في التسوية السياسية وذلك لمصلحة دول مؤثرة في مقدمتها السعودية وإيران: فالأولى لا ترغب برؤية قطر في مشهد التسوية السوري لا من قريب ولا من بعيد، في حين أن طهران لا تنظر اليها بعين الودّ». لكن المدهش، بحسب شرح السياسي الخليجي الذي رفض الكشف عن اسمه، أن قطر «ترى احتمالا أكبر في نجاح تقاربها من إيران منه مع السعودية. صحيح أنها لعبت ورقة دعم المعارضة السورية حتى النهاية، لكن يمكنها أن تلعب لعبة معاكسة كليا نكاية بالسعودية»، كما يقول السياسي الخليجي، مردفا أنه «لا ودّ البتّة بين الدولتين».
بناء على هذه المعطيات، فإن أية وساطة قطرية في أي ملف كان «لن يكون هدفها خدمة النظام السوري الحالي بل الإبقاء على الدور القطري كوسيط، وخصوصا بعد انحسار دورها العسكري في سوريا كثيرا في ظلّ معارضة دولية لدعم التنظيمات المتطرفة. من هنا فإن رهان قطر هو على لعب دور في العملية السياسية المقبلة، سواء مع الأطراف المؤيدة للنظام السوري أو مع تلك المعارضة له. صحيح أن للنظام السوري تحفظاته على قطر، وكذلك طهران، لكنّ يبدو أن تحفظات السعودية أكبر، وخصوصا بعد الدور الذي قامت به قطر في مقاربتها للملف السوري، وتفضيلها التعاون مع الأتراك على شبك يدها مع السعودية ودعمها مجموعات معارضة لحسابها»، بحسب تعبير السياسي الخليجي. من هنا تريد قطر أن تؤكد مجددا أنه يمكنها لعب دور في سوريا وأنها ليست «قاطعة» مع النظام السوري، كما أن لها كلمتها عند المعارضة، لذلك تنشط لإقناع إيران بأنّ تتيح لها دورا في مؤتمر جنيف 2 وهي ترمي الأوراق التي بحوزتها عبر مبادرات سياسية هنا وهنالك.
الأوراق القطرية المتبقية
أبرز الأوراق التي تحملها قطر إمكانية لعبها دور الوسيط في ملف النازحين السوريين عبر رصد أموال طائلة لمساعدتهم وسط تلكؤ عربي واضح في هذا الخصوص، وقد تمتدّ «الأيادي القطرية البيضاء» الى النازحين في لبنان والأردن وتركيا، وحتى في الدّاخل السوري. أما في مصر فإن قطر لم تقطع العلاقة مع جماعة «الإخوان المسلمين» تحسّبا لأية فرصة وساطة بينهم وبين الحكومة المصرية. فلسطينيّا تحاول قطر استعادة حركة «حماس» مجددا بعد أن عادت هذه الأخيرة الى الحضن الإيراني وبعد تقرّبها من «حزب الله»، حتى أن رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل أمضى عطلة عيد الأضحى أخيرا في الدّوحة. لكن حتى الآن تبقى «حماس» حذرة في إعادة وصل ما انقطع مع قطر.
صورة جديدة
يقود هذه السياسة الجديدة الشيخ تميم، ويقول السياسي الخليجي الخبير بالشأن القطري: «بغضّ النظر إذا كان الشيخ تميم هو من يرسم السياسة الخارجية القطرية أم لا، فإن ثمة صورة جديدة ترسم له شخصيا مختلفة عن تلك التي عرف بها والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني من جهة، ورئيس الحكومة ووزير الخارجية السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الذي يعيش حاليا في لندن». يضيف: «يحاول الشيخ تميم ترميم ما خرّبه والده وحمد في السياسات مع الدّول العربيّة، من مصر الى سوريا فلبنان ففلسطين، حيث ذهب الاثنان بعيدا جدّا، لكنّ الشيخ تميم لا يرغب بأن يبدو كمن ينقلب كليا على سياسة والده بل بأنه يصحح بضع هفوات».
هذه الصورة الجديدة موجود في إطارها وزير الخارجية القطري الجديد خالد العطية الذي كان موقعه السابق كوزير دولة للشؤون الخارجية مهمشا كليا زمن رئيس الحكومة التي رأسها حمد بن جاسم. تبدو مهمّة العطية الذي عيّن وزيرا للخارجية في عهد الحكومة الحالية التي يرأسها الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني شاقة جدّا على رأس الديبلوماسيّة القطريّة «فهو يحاول ملء فراغ مدوّ في السياسة الخارجية القطرية خلّفه حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وقد كانت تلك السياسة في زمنه ملء السمع والبصر». لكن العطية يواجه في مهمته مشكلتين: الأولى عدم انتمائه الى الأسرة الحاكمة، والثانية أنه غير معروف في الأوساط الديبلوماسية العربية والغربية، وخصوصا أنه آت من عالم الأعمال، لذلك يحاول خلق مبادرات كتلك التي كان يطلقها حمد، ومنها أخيرا «مفرقعة» تحرير المخطوفين اللبنانيين التسعة، وهو يريد أن يكون معروفا في المنتديات الدولية، كما يطمح لأن يكون «رجل الشيخ تميم» كما كان حمد «رجل الشيخ حمد». هذا الطموح الأخير يبدو متاحا أمام العطية، وخصوصا أنه لا توجد شخصيّة نخبوية مهمّة مقرّبة من الشيخ تميم ضمن العائلة الحاكمة القطرية، وبالتالي فإن المجال أمامه مفتوح للتقرّب من الأمير. في ظلّ هذا المشهد القطري المتبدّل، ثمة ثابتة وحيدة هي الشيخة موزة والدة الشيخ تميم، حيث إن زوجة الأخير بعيدة عن السياسة، وبالتالي فإنّ دور موزة لم يتراجع بفعل غياب المنافس بل صار أكثر رسوخا.
هل ستلقى الحركة القطرية المتبدّلة النجاح؟
برأي السياسي الخليجي الخبير بشؤون قطر «ليس أمام القطريين إلا القيام بحركة انفتاح أو الانكفاء وخسارة كل ما بنوه في الماضي، فهم يحاولون ترقيع ما أمكن لتأهيل أنفسهم لدور الوسيط، إنهم يتحركون تحرّك المضطر، ولا خيارات متعدّدة أمامهم في السياسة الخارجيّة: فقد خسروا في مصر وسوريا وتونس وليبيا ولبنان، وهم يحاولون لملمة الوضع، وخصوصا أن علاقاتهم تردّت كثيرا مع بقية الدول العربية». أما سبب هذا التقهقر القطري فهو: «رهان الدوحة على دور أكبر من حجمها وحاولت أن تكون بديلة من السعودية، ففشلت بذلك فشلا ذريعا».
السفير
14/5/131025
https://telegram.me/buratha