لماذا حزب الله اليوم «تحت المجهر»؟ ولماذا بعد أن سبقتها اسرائيل بأعوام، صنفته السعودية بالعدو «رقم واحد»؟ ما الذي حصل حتى بات الحزب الشغل الشاغل «لأعين» الاستخبارات الاقليمية والدولية ؟ وما سر أهتمام السفارات الغربية في بيروت بالحصول على المزيد من المعلومات عن الحزب وبنيته السياسية والامنية والعسكرية؟ ولماذا لا يجتمع اثنان من رؤساء اجهزة المخابرات المعنية بملف المنطقة الا وكان حزب الله «ثالثهما»، «طبقا» رئيسيا على مائدة البحث؟. الاجابة لا تحتاج الى الكثير من التفكير، لا يتعلق الامر فقط بدور في «قلب» المعادلات وانما في كيفية تعامله مع الاحداث، وهو ما جعل منه «ظاهرة» حيّرت ولا تزال «الادمغة» الامنية غير القادرة حتى الان عن فك «طلاسم» قدرته على «الحياة».
بهذه الخلاصة، تفسر اوساط خبيرة في الشؤون الامنية والعسكرية، الاخبار المتداولة عن تزايد الاهتمام الغربي والاقليمي بالحزب، والتي ترجمت مؤخرا رفعا في منسوب التنسيق الامني المشترك، حيث جرى تبادل للمعلومات، وتجديد للملفات بين تلك الاجهزة، لمواكبة القدرات «المذهلة» التي نجح الحزب في تقديمها عبر ثلاث محطات رئيسية اثبت خلالها قدرته على التكيف مع المعطيات والتطورات العسكرية والامنية والسياسية المتلاحقة، في الداخل اللبناني، وفي الساحة السورية، وعلى الجبهة المفتوحة مع اسرائيل.
وتفيد المعلومات بأن أكثر ما توقف عنده هؤلاء هو عاملي «السرعة» و«الجودة»، ففي فترة قياسية، تم الفصل بين غرف العمليات الامنية والعسكرية الخاصة بالجبهات الثلاث، حيث حافظ الجهاز الامني القديم المرتبط بالصراع مع الاستخبارات الاسرائيلية على «استقلاليته»، وظل متابعا لعمله المعتاد، بينما انشئت غرف عمليات اخرى معنية بمتابعة ملف الامن الداخلي، واخرى بالحرب في سوريا، دون ان يؤدي هذا الامر الى انخفاض «نوعي» في التشكيلات الثلاث. وهذا يعطي الحزب في العلوم العسكرية «العلامة الاحترافية» الكاملة التي لا يوجد مثيل لها في التشكيلات غير النظامية، ويندر حصولها الا في قوات النخبة لدى جيوش الدول المتقدمة.
ففي العمليات العسكرية الدائرة في سوريا، تبين ان كل هذه الجبهات حيث تتواجد قوات الحزب، حقق الجيش السوري نجاحات عسكرية، وما أظهر «حرفية « مقاتلي الحزب على الارض مسألتين متزامنتين، الاولى كفاءة قوات «النخبة» في حزب الله والتي تبين قدرتها على ادارة مسرح العمليات بكفاءة عالية، من خلال القدرة على المزج بين تكتيكات الجيوش النظامية «وحرب العصابات»، والمزاوجة بين خطط تثبيت دفاعية واخرى هجومية تعتمد حينا الهجوم الشامل واحيانا على «القدم». والمسألة الثانية هي وجود ضباط الحزب في غرف العمليات المركزية والفرعية، حيث برهنوا عن قدرة هائلة في «القيادة» «والسيطرة»، مع العلم أن المعارك تدور على مساحات جغرافية واسعة، ولا تعتبر انها «ارض» حزب الله.
وأكثر ما يمكن التوقف عنده يتعلق بالقدرات «اللوجستية» «الهائلة لدى الحزب، حيث تمكن بسرعة قياسية من «خلق» منظومة متكاملة لادارة مسرح العمليات في سوريا، وبقيت الكثير من الاسئلة دون أجوبة، لعل ابسطها كيفية تنظيمه السريع لعملية «تقنين» المقاتلين وتوزيعهم على الجبهات، وعمليات التبديل، وتأمين الشق اللوجستي المتعلق بالعتاد، وتامين مقومات الحياة اليومية للمقاتلين على الجبهة، وغيرها من التفاصيل الصغيرة التي تحتاج الى فريق عمل محترف لادارتها.
أما الجبهة الداخلية «الطارئة» لمواجهة خطر السيارات المفخخة، فكانت مناسبة كي يبرز حزب الله كفاءته بعيدا عن النقاش الداخلي العقيم حول «الامن الذاتي»، فأضافة الى «الحرفية» الكبيرة التي اظهرها جهازه الامني من خلال تتبع «خيوط» المتورطين وكشفهم، كان هناك ذهول من قدرة الحزب على الانتشار ثم الانكفاء دون أن يتعرض جسمه التنظيمي لاي خلل يذكر. فقد تم تشكيل منظومة امنية جديدة بسرعة قياسية، وتم انزالها الى مداخل وأحياء الضاحية الجنوبية، بطريقة منظمة ضمن سلسلة هرمية واضحة المعالم، تشمل توزيع المسؤوليات وتنظيم دوامات «الخدمة»، ووضع آليات للثواب والعقاب، وتطوير المنظومة تقنيا ولوجستيا خلال عملية التنفيذ، وانشاء وحدات متحركة عالية التدريب. وهو انتشار بتكاليفه المادية والجهد اللوجستي المبذول، يوحي بان هذا الواقع مستمر لفترة طويلة. لكن دون أي مقدمات تم الانسحاب من الشارع وتركت المهمة للاجهزة الامنية اللبنانية. وهذا مؤشر على مدى ليونية الحزب وقدرته على التكيف مع المستجدات.
وأكثر الادلة الواضحة على هذ الامر،هوالتطور على الجبهة الثالثة، واذا كانت المناورات العلنية للحزب على الجبهة الجنوبية، عشية التهديد الاميركي بالعدوان على سوريا، قد بينت جهوزية الحزب الكاملة للمواجهة عسكريا، فإن ثمة مواجهة امنية مستمرة مع الاجهزة الامنية الاسرائيلية بينت عن استمرار التركيز العالي على مقارعة الاجهزة الامنية الاسرائيلي الداخلية والخارجية.
ولتوضيح الصورة، ثمة محطتين رئيسيتين جرتا مؤخرا، الاولى مرتبطة بعمل حزب الله المتواصل لتجنيد اسرائيليين وكذلك عرب من الداخل الفلسطينيّ، حيث ارتفعت معدلات الخرق وازدادت «الخلايا» النائمة خلال السنتين الاخيرتين، واكتشفت الاجهزة الامنية الاسرائيلية ان الحزب استغل فوضى «الربيع العربي»، وغياب فلسطين عن دائرة الضوء، «لاختراق» فلسطينيي 48، فهؤلاء يجيدون اللغة العبريّة بطلاقة ويتمتّعون بالفرصة للوصول إلى أماكن حساسّة، بما في ذلك الأمنيّة، كما أنّهم يقيمون علاقات اقتصادية مع رجال أعمال إسرائيليين، علاوة على أنّهم قادرون على الدخول إلى الضفة الغربيّة، والسفر إلى خارج البلاد. أما ماذا يريد حزب الله من هؤلاء؟ فببساطة شديدة، معلومات عن المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة، البنية التحتيّة في اسرائيل، مثل الكهرباء، الطاقة والمصانع الكيميائيّة، ومعلومات عن الخريطة السياسيّة في إسرائيل وتوجهات الرأي العام داخلها، بالإضافة إلى تزويد الحزب بمعلومات عن تمركز الجيش الإسرائيليّ على الجبهة الشماليّة، أيْ مع سوريّة ولبنان.
والملفت في الاونة الاخيرة ان الحزب طور اساليب التجنيد، عبراستغلال مواقع التواصل الاجتماعيّ، للبحث عن عملاء مفترضين يُمكن تجنيدهم للعمل لصالح الحزب ضدّ إسرئيل، وهناك «جهة مجهولة» تتوجه عبر الإنترنت للإسرائيليين، وتقترح عليهم العمل لصالحها لتزويدها بمعلومات مقابل الحصول على أموال، فيما العمل جار على استدراج اسرائيليين واقناعهم للسفر الى الخارج.
ولم تتوقف الامور عند هذا الاختراق للداخل الاسرائيلي، لكن الجهوزية الامنية لحزب الله برزت مؤخرا عندما اضطرت الاجهزة الامنية الاسرائيلية الى تسريب معلومات امنية الى صحفها، حول قيام الموساد الإسرائيليّ بحملة إلكترونية لتجنيد جواسيس وموظفين جدد، لسد حاجته الشديدة لشغل العديد من الوظائف المهمة، وجاء هذا «الحرق» المقصود لهذه العملية الامنية المسماة «حصان طروادة»بعد اكتشاف الاستخبارات الاسرائيلية ان جهاز امن المقاومة اكتشف «الحيلة» مبكرا وشرع في «زرع» عملاء مفترضين تواصلوا مع الجهات المشغلة، وقد أضطر «الموساد» الى «حرق» الجهد الذي بذل لعدة اشهر والغاء الكثير من المقابلات المفترض ان تتم في اوروبا وقبرص، بعد ان تأكد ان الموقع اخترق وتم تزويده بمعلومات مضللة يقف وراءها حزب الله .وهناك خشية من ان يكون هؤلاء الاشخاص الذين تجاوبوا مع هذه العروضات، وتواصلوا مع واضعي الاعلان، موضوعين اليوم تحت المراقبة في لبنان.
هذا غيض من فيض الاسباب التي تجعل من حزب الله هدفا مشتركا لكل هؤلاء، لكن المفارقة المذهلة تكمن في قدرة الحزب على الاستفادة دوما من وضعه تحت الضغط، هذا ما حصل عام 2006، ويحصل اليوم في الحرب الامنية في الداخل، والحرب في سوريا، لقد تحول من«صداع» الى «مرض عضال» غير قابل للشفاء. ما هو السر ؟ ثمة من يقول أبحثوا عن دور «القدرة الالهية».
الديار
36/5/131024
https://telegram.me/buratha