جورج حداد
تقترب أميركا أكثر فأكثر من لحظة إعلان الافلاس، بعد ان تعذّر التوصل الى الاتفاق بين البيت الابيض والاكثرية الجمهورية في الكونغرس حول رفع سقف الدين العام، من أجل تسهيل إعادة تمويل أعمال الادارة. وفي هذا الصدد، قال رئيس الكونغرس الجمهوري جون باينور “لن نقبل مجرد رفع لسقف الدين العام”. وبحسب رأي وزير المالية جاكوب ليو ففي 17 تشرين الاول الجاري تنتهي إمكانية الحكومة للاقتراض، وهي ستتعرض بسرعة للافلاس.
وذكرت جريدة “كومرسانت” الروسية انه منذ الاثنين القادم سوف يعود للعمل الموظفون المدنيون في وزارة الحرب، والامن الداخلي وبعض الاجهزة الخاصة، بمن في ذلك موظفو وكالة الامن القومي.
وسيعود الى العمل حوالى 400000 اختصاصي مدني، من أصل 800000 كانوا قد ارسلوا الى بيوتهم بموجب اجازات الزامية غير مدفوعة. وستتم اعادة هؤلاء الموظفين بموجب قانون أقره الكونغرس، يلزم السلطات المعنية بدفع أجور العاملين في القطاع العسكري، بصرف النظر عن صدور الميزانية او لا. وكتبت “كومرسانت” ان هذا القانون يسمح بأن يعاد الى العمل “الموظفون المسؤولون عن الوضعية المعنوية للقوات المسلحة، واستعداداتها القتالية، وقدرتها على تنفيذ المهمات الموكولة اليها”.
يذكر ان ثلاثة أرباع موظفي البيت الابيض هم في اجازة الزامية غير مدفوعة، بسبب أزمة الميزانية في اميركا، التي دخلت في اسبوعها الثاني. وهناك اقل من 450، من اصل 1700 موظف في الرئاسة، يتابعون عملهم. وهؤلاء هم بالاساس الاشخاص الذين لا يستطيع البيت الابيض ان يعمل بدونهم. أما حوالي 1350 موظفاً الاخرين، وهم مستشارون، مساعدون، محاسبون، طباخون، بستانيون وغيرهم، فهم في اجازة غير مدفوعة. وبسبب هذه “العطلة” يسود الهدوء غير الاعتيادي في ممرات البيت الابيض.
وحتى الان لا يوجد مؤشرات على امكانية حدوث تطبيع سريع للوضعية، لان الجمهوريين والدمقراطيين في الكونغرس لا يبدون الاستعداد لاجراء تسوية من أجل الموافقة على الميزانية في السنة المالية الجديدة، التي بدأت في 1 تشرين الاول الجاري.
“ان خطر اعلان العجز عن الدفع في الولايات المتحدة الاميركية يولد المخاوف في العالم”، حسبما كتبت جريدة “نيويورك تايمز”. وأضافت الجريدة “ان الطريق المسدود في المسائل المالية في واشنطن يثير التوتر من لندن الى بالي، وينمو القلق من امكانية توقف اميركا عن دفع جزء من دينها العام، الذي يمكن ان يثير مشكلات مالية عالمية، ويضر بالوضع الاقتصادي الهش في العديد من البلدان”.
وتابعت “نيويورك تايمز” القول “بعد خمس سنوات من الازمة المالية في أميركا التي أدت الى انتشار ركود عالمي شديد، فإن رجال الدولة في مختلف بلدان العالم يخشون الان من الاضرار التي قد تنتج عن الازمة الحالية، وأن تصبح بلدانهم ضحية هذه المرة ليس من عدم انضباط وول ستريت، بل من النظام السياسي في واشنطن، الذي لا يعمل جيداً حسب رأي الكثير من رجال الدولة والمعلقين الاجانب”.
وفي الواقع، فان الشلل الجزئي لادارة الدولة الاميركية يدل ان مشكلات واشنطن تخرج خارج الحدود الاميركية. وبسبب هذه الازمة غاب الرئيس الاميركي باراك اوباما عن قمة قادة دول المحيط الهادي الاسيوية، التي عقدت في اندونيسيا، مما اتاح للصين ان تؤكد دورها الخاص في هذا الاقليم.
وفي أوروبا توقفت الجهود من أجل عقد اتفاق تجاري جديد بالغ الاهمية مع أميركا، ذلك ان العديد من الادارات الاميركية تعمل بعدد مخفض من الموظفين. وسيكون هناك تأثيرات اقتصادية سلبية، فيما اذا لم ترفع اميركا سقف الدين العام.
وكتب المعلق في جريدة “لوموند” ايلان فراشون، يقول “ان واشنطن بدأت تشبه النظام السياسي الايطالي بأزماته المتواصلة”، و”ان الناس يخشون من سقف الدين العام. فهذا يمكن ان يكون القطرة الاخيرة التي يطفح معها الكيل، لتحريك ازمة جديدة في الاسواق المالية”. وأشار الى أن “هذا التخوف موجود في جميع انحاء اوروبا، وان اي انهيار مالي جديد سيضر بفرنسا، وليس فقط باليونان، البرتغال واسبانيا”. ولفت فراشون الى “ان الناس لا يريدون لهذا التوازن الهش ان يتضعضع بسبب ازمة مالية جديدة، تستثيرها واشنطن”.
وكتبت جريدة “واشنطن بوست” ان شلل الادارة الاميركية الحالي يمكن ان لا يسبب اضراراً دائمة، ولكن عدم رفع سقف الدين العام يمكن ان يكون كارثياً. وأضافت ان “التأثير العام للشلل الاداري يمكن ان يكون ضعيفاً، ولكن الكثير من الاقتصاديين يقرعون جرس الانذار فيما لو ان الكونغرس المشلول سمح بأن تقع البلاد في وهدة العجز عن دفع ديونها، وهذا سيقوض ثقة العالم بأميركا كمركز عالمي مالي مستقر، وسوف يرفع بشكل دائم فوائد سندات الدولة”.
وفي السياق، كتبت جريدة “غارديان” البريطانية “لقد اعلنت الصين ان اميركا هي ملزمة بأن تحل النزاع حول سقف الدين العام”. وأضافت ان “نائب وزير المالية الصيني تشو غوانياو عبّر عن القلق حول “امن التوظيفات الصينية في الولايات المتحدة الاميركية”.
وبحسب احصاءات وزارة المالية الاميركية فإن الصين هي المقرض الاجنبي الاكبر لاميركا، وفي نهاية شهر تموز الماضي بلغت التوظيفات الصينية في سندات الدولة الاميركية 277،1 تريليون دولار.
واعلن تشو غوانياو “ان السلطة التنفيذية في اميركا ينبغي ان تتخذ اجراءات حاسمة وذات مصداقية لتجنب الوقوع في العجز بخصوص سندات الدولة الخاصة بها. وهذا أمر مهم كما للاقتصاد الاميركي، كذلك للاقتصاد العالمي. واني آمل ان تكون اميركا مدركة تماماً لدروس التاريخ”، ملمحاً الى النزاع حول سقف الدين العام سنة 2011، الذي أدى الى خفض السمعة الاقراضية لاميركا عن مستوى “AAA” مما أدى الى حدوث ذعر في البورصات العالمية”، كما كتبت جريدة “غارديان”.
وكتبت جريدة “كومرسانت” الروسية ان نقص الاموال قد طال ايضاً وزارة الخارجية الاميركية، وان السفارات الاميركية في كل ارجاء العالم أخذت تستعد للعمل بعدد مخفض من الموظفين. وقد طالب وزير الخارجية الاميركية جون كيري بتخصيص ميزانية خاصة لوزارته بالرغم من الشلل الاداري، قائلاً “من الافضل ارسال الدبلوماسيين الى الخارج اليوم، فهو ارخص لنا من ارسال الجيوش غداً”.
3/5/131012
https://telegram.me/buratha