محمد بلوط
مراوحة ديبلوماسية أميركية في المكان حول جنيف. السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد، المشرف على المعارضة السورية في الخارج، استعاد الأسبوع الماضي لقاءات مع بعض شخصياتها وقادتها بين باريس واسطنبول.
لا يحمل الأميركيون طلبا عاجلا وواضحا إلى أصدقائهم المعارضين لدفعهم إلى طاولة المفاوضات مع النظام السوري عملا بمقتضى التفاهم المعقود مع الروس وبقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118. ولا يزال السفير الأميركي يعمل على جعل «الائتلاف الوطني السوري» المعارض «مظلة» أي وفد معارض يجلس إلى طاولة المفاوضات، ويعمل على إقناع من يلتقيهم من خارجه في باريس وغيرها بالانضمام إليه، تسهيلا لمهمة تشكيل وفد «ائتلافي» حصرا إذا أمكن، وتهميش ما أمكن أيضا المعارضة الأخرى التي تمثلها «هيئة التنسيق» و«تيار بناء الدولة» و«الهيئة الكردية العليا».
وحاول السفير الأميركي، ومعه السفير الفرنسي ايريك شوفالييه، الإيحاء لمن التقاهم أن ورقة تنحّي الرئيس الأسد لا تزال مطروحة على الطاولة. وذهب إلى حد التلويح مع من يلتقيهم بأن الروس خلال الجلسات المشتركة لا يمانعون في تنحيته. ويقول معارض سوري إنه يستبعد ما قيل له لأن التخلي عن الأسد يعني التخلي عن ورقتهم الأساسية في سوريا وعنوان إستراتيجيتهم في مواجهة الأميركي، علما أن بقاء الأسد في منصبه حتى نهاية ولايته منتصف العام المقبل أصبح خارج أي مساومة بفضل التطورات الميدانية واستعادة الجيش السوري المبادرة على الأرض منذ أشهر وسقوط أي تهديد جدي لنظامه بعد التسوية حول الأسلحة الكيميائية. وينقل من التقوا السفير الأميركي، الذي يعمل على التمهيد للمؤتمر، طرحه مجددا سلسلة أسماء بديلة لقيادة المرحلة الانتقالية في سوريا، لا يزال نائب الرئيس السوري فاروق الشرع احدها، بالإضافة إلى أسماء أخرى، يقيم أصحابها في الخارج، لم تعتبر جدية.
ويقول مصدر سوري معارض إن المسؤول الأميركي يفكر ببدائل لقيادة المرحلة الانتقالية، لكنه يشكو من فقدان الاتصال مع شخصيات من الحلقة الأولى من النظام، أو تلك القريبة منها، تساعد على طرح أكثر جدية لتنحية الأسد، كما أنها ستكون معرّضة لخطر الاغتيال إذا ما بقيت داخل سوريا وينبغي التفكير بإخراجها منها، أو البحث عن أسماء تقيم في الخارج. وقال المصدر إن الأميركيين ينشطون للوقوع على قناة اتصال مع الحلقة الأولى، ولكنهم لا يملكون سوى خيارات تقتصر حاليا على كتلة من الضباط السوريين المتقاعدين.
والأرجح أن مسألة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والجيش لم تعد من أولويات جنيف أميركياً. إذ ينزع الأميركيون إلى المزيد من المرونة وخفض سقف المطالب، تحت ضغط عامل صعود المكوّن «الجهادي» في السلاح السوري المعارض وتطور قوة تنظيم «القاعدة» وتسارع نموّه بما يهدد بخروج الأمور عن السيطرة، بحسب المصدر السوري المعارض.
ويقول معارض سوري إن الأميركيين لا يريدون المساس بالجيش السوري، ولا بالأجهزة الأمنية السورية، وإنما باتوا يطالبون بتغييرات في بعض القيادات لا أكثر، للإبقاء على المؤسسات العسكرية قادرة على مواجهة «القاعدة» والجماعات الإرهابية، بعد هزيمة «الجيش الحر» في معارك الشمال وتضعضع ألويته المستمر بين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) و«جبهة النصرة».
ويبدو الموقف الأميركي متفاوتا إزاء الدور الذي تقوم به الاستخبارات السعودية في تقوية الذراع «الجهادي»، المقرب من «القاعدة»، داخل المعارضة السورية على حساب «المجلس العسكري الموحد» و«الجيش الحر» الذي تدعمه رسميا مع أميركا. وكان 50 لواءا وكتيبة «جهادية» أعلنت الانضواء في «جيش الإسلام» الذي يقوده زهران علوش، رجل رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، وأنكرت على «الائتلاف» تمثيله للمعارضة في الداخل، كما رفضت مؤتمر جنيف.
ونقل معارض عن فورد قوله «إننا لن نغضب حلفاءنا في الخليج، من السعودية والإمارات، ومن يبحث عن الحسم العسكري». ويبقى الأميركي بعيدا عن إغضاب السعودي في هذه المرحلة نظرا لاستمرار السعودية الاضطلاع بدور مركزي في تسليح المعارضة، نيابة عن الولايات المتحدة وبالتنسيق معها. وقال المصدر المعارض إن الأميركيين يغضّون النظر عن هذه السياسة لأنها «تشاغب» على الروس، ولكنهم يعتقدون انه ينبغي إفهام حلفائهم أن الخشية من جنيف غير مبررة، لأنها لا تمثل نهاية المطاف في الأزمة السورية وإنما محطة مؤقتة، عليها أن تستوعب قبل كل شيء خطر الجماعات «الجهادية»، وأن التسوية الدائمة لا تزال بعيدة.
واستطرادا يواجه الأميركيون والفرنسيون مشكلة تمويل إضافية، لا تقتصر على تسليح المعارضة، فقد فشلت الأسبوع الماضي محاولات غربية لوضع اليد على الأموال الحكومية السورية المودعة في المصارف الأوروبية. ورفضت معظم المصارف الأوروبية خطة غربية لتحويل أموال الحكومة السورية المجمدة إلى «الائتلاف» لتمويل عمليات الإغاثة. وقال مصدر عربي في باريس إن مصارف في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا قدمت كشفا بودائع لم تتجاوز 500 مليون دولار، فيما رفضت مصارف كثيرة الكشف عن الودائع السورية. وعللت المصارف الرفض بالسرية المصرفية واحتمالات ملاحقتها قانونيا، لأن المطالب الغربية لا تندرج في أي قرار دولي، وإنما في قرارات أحادية الجانب.
ومن المنتظر أن يختبر المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، في الأسبوع الأخير من تشرين الأول الحالي، قدرته على تنشيط دوره واستعادة الاتصالات مع جميع الأطراف، وزيارة دمشق، للخروج بتصور أخير عن احتمالات انعقاد مؤتمر «جنيف 2» والإعلان بعدها عن موعد انعقاده ودعوة المعنيين إلى حضوره. وكان الإبراهيمي قد عبّر عن شكوكه في انعقاد المؤتمر السوري في الموعد المعلن له منتصف تشرين الثاني المقبل، وذلك عشية اجتماع بين وزيري خارجية أميركا جون كيري والروسي سيرغي لافروف في بالي اليوم.
وقال الإبراهيمي، في مقابلة مع شبكة «تي في 5» و«اذاعة «آر اف اي» الفرنسية، إن على النظام السوري والمعارضة أن يتوجها «الى جنيف من دون شروط مسبقة». وقال «بشار الأسد لا يمكن أن يقول إنه لن يتفاوض مع هذا أو ذاك، والأمر نفسه ينطبق على المعارضة… الروس يقولون لنا إن الأسد موافق». واعتبر ان «إيران والسعودية يجب ان تتمثلا في جنيف 2». واضاف «يجب الا يحل الجهاديون محل النظام الحالي».
وقال معارض سوري إن اللقاءات مع فورد وشوفالييه كشفت عن وجود تصور للطاولات في جنيف. ويميل الأميركيون إلى وضع طاولتين تجلس إلى إحداها وفود النظام السوري و«الائتلاف» والمعارضة الداخلية. ويكون دور هذه الطاولة شكلي وإعلامي. وتخصص طاولة ثانية لتقنيين ومفاوضين مخوّلين من جميع الأطراف تقديم اقتراحات ودراستها ورفضها أو الموافقة عليها.
29/5/13107
https://telegram.me/buratha