أقدمت عدة فصائل إسلامية متطرفة، بعضها ينتمي الى تنظيم «القاعدة»، على تشكيل تحالف جديد يرفض الاعتراف بـ«الائتلاف الوطني» المعارض و«الحكومة المؤقتة» المنبثقة عنه، بتزامن مع التصعيد الحاصل ميدانياً بين القوى العسكرية القريبة من «الائتلاف»، وتلك المتشددة إسلامياً.
وشكل الإعلان الجديد لـ 31 فصيلا إسلاميا صدمة إضافية، ستحرك الواقع الميداني صعوداً نحو صدامات بين قوى الشمال الشرقي المسلحة، التي تتنوع انتماءاتها، بشكل ربما يحقق نبوءة كثر من المراقبين الغربيين للصراع في سوريا، وهي تحول الحدود السورية المتاخمة لتركيا إلى «شمال شرقي متوحش» تحكمه «مئات العصابات المسلحة التي لا تستمع لأحد، وتخضع لاعتبارات اقتصادية واجتماعية وعقائدية خارجة عن أية سيطرة».
وفي الخبر الذي سرب أمس الأول، عبر المواقع الخاصة بتلك الفصائل، كما على موقع «يوتيوب»، أعلنت 31 مجموعة إسلامية معارضة، أنها لا تعترف بأية «تشكيلات معارضة في الخارج»، بما فيها «الائتلاف الوطني السوري والحكومة المؤقتة».
وتلا البيان، الذي حمل الرقم «1»، رجل ملتح من خلف مكتب بواجهة زجاجية، يتوسطها مصحف كبير يستند الى لاقط صوت كما يبدو. ودعا البيان «القوى والفصائل الى التوحد من إطار إسلامي واضح ينطلق من سعة الإسلام، على أساس تحكيم الشريعة وجعلها المصدر الوحيد للتشريع، وأن الأحقية هي لتمثليها من قبل من عاش همومها وشاركها تضحياتها من أبنائها الصالحين»، كما دعا «جميع الجهات العسكرية والمدنية لوحدة الصف والكلمة ونبذ الفرقة والاختلاف، وتغليب مصلحة الأمة على مصلحة الجماعة».
ويعقّد الإعلان الجديد المشهد الميداني المعقد أصلا في سوريا، كما يجعل ادعاء «الائتلاف الوطني» بأنه يمثل أطياف المعارضة السورية، أو يمتلك سلطة قرار ميدانية، ميؤوساً منه.
لكن البيان الرقم «1» ليس أكثر من تفصيل جديد في اللوحة العسكرية المشتتة في الشمال الشرقي، خصوصا أن الكلمة الرئيسية ما زالت لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، والذي تمكن مجددا من بسط سيطرته على مدينة أعزاز شمال حلب، وفق ما نقل ناشطون مقيمون في المدينة، ليل أمس الأول، فيما تستعد مناطق في ريف إدلب، مثل حزانو، لحروب انتقامية بين الطرفين، بعد مقتل القيادي في «داعش» ابو عبد الله الليبي على يد «الجيش الحر» مع 13 آخرين من مرافقيه، وبتنسيق مع إعلان الحرب بين التنظيمين في النهروان في ريف حلب.
في هذا الوقت، ينشغل عدد من الكتائب الإسلامية بحرب أخرى، أطول أمداً، يمثلها طرفا «جبهة النصرة» و«داعش» كما «لواء التوحيد» وأحرار الشام» من جهة، والفصائل الكردية من الجهة الأخرى، كما في مناطق علوك شرقي رأس العين، والتي أسفرت عن مقتل العشرات ليل أمس، وفقاً لمصادر إعلامية كردية.
وتوقع ديبلوماسيون غربيون أن «تمتد أذرع الحرب السورية» إلى جلسات نيويورك السياسية، وإن تناقضت مع الأجواء الموحية بتسوية ما زالت بعيدة. ووفقاً لديبلوماسي، تابع متابعة وثيقة جلسات عمل الجانبين الروسي والسوري، حول «صفقة الكيميائي»، فإن موسكو تتعاطى مع الصفقة «التاريخية» ضمن إطار السعي «لتسوية عامة كبيرة، ربما تتجاوز الملف السوري» ولا تقتصر على تسليم الترسانة الكيميائية مقابل وقف التهديد بالحرب.
ورغم أن ظروف تسوية بهذا الحجم ما زالت غير محققة، يركز الروس جهودهم على تحقيق «جنيف 2» بحضور إيراني، وبأجندة تشمل، إضافة للاتفاق على بنود عريضة مثل «حكم انتقالي كامل الصلاحيات، يحترم الحريات، ويحفظ حقوق الأقليات»، بندا يرى فيه الأوروبيون والروس أهمية كبيرة «ويتمثل ببند لمكافحة الإرهاب الدولي».
ووفقا لديبلوماسي أوروبي يزور دمشق بتكرار، فإن «هذا البند ضرورة وليس تجميلا، خصوصا أن قضية الإرهاب في سوريا باتت تمثل قضية داخلية لحكومات كثيرة في أوروبا» نتيجة التهديد الذي يمثله «الجهاديون» الأوروبيون. وهو ما يعني «إرغام قوى الائتلاف، ومن أمامه الجيش الحر، على الاعتراف صراحة بأن حليف الأمس لا يمكن أن يكون شريكا» في العملية السياسية، في إشارة الى «جبهة النصرة» وباقي التنظيمات الأصولية.
وأمس برز تلميح أميركي لافت على لسان أحد المسؤولين بعد لقاء جمع في نيويورك رئيس «الائتلاف» أحمد الجربا مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، نقل فيه الجربا قلقه من أن «المتطرفين يقومون فعليا بعمل الحكومة (المفترض) الآن» في شمال البلاد.
كما لمّح المسؤول الأميركي إلى إمكانية رفع مستوى المساعدات العسكرية لـ«الحر» في مواجهته لتنظيم «داعش»، بما يتجاوز الأسلحة غير الفتاكة، منوهاً بأن «المواجهة على أشدها بين الطرفين».
وسيلتقي غدا كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. كما سيلتقي لافروف في غرفة كواليس مجاورة بنظيره السوري وليد المعلم، وذلك بموازاة عمل راعيي الصفقة «الكيميائية» على نص مقبول لمشروع قرار أممي.
ووفقا للمصادر السابقة يشعر الأميركيون بأنهم «قفزوا عن شجرة الحرب، ليتسلقوا شجرة الكيميائي» بسبب التعقيدات التي يفترض بحثها بشأن هذا الملف. ويشكل «الاعتراف قسراً بشرعية الجهة المقابلة (أي النظام) مشكلة» ناهيك، عن كونه «يفرض الخوض في تفاصيل عملية لا مفر منها».
ومن بين هذه التفاصيل كيفية الوصول لكل المناطق التي تحتوي مخزونات كيميائية، وهي كثيرة، وبعضها وفقا لتصريحات لافروف محاط بكتائب المعارضة لا الحكومة، في إشارة فهمت على أنها لمواقع قرب حلب ما زال الجيش السوري يدافع عنها بشراسة.
ويصبح التخوف الغربي في ذروته، حين يتعلق بـ«المراقبين العسكريين الدوليين الذي سيرافقون فريق الخبراء الكيميائيين أثناء توليهم مهمة تنفيذ الاتفاق»، وذلك من دون أية ضمانة ممكنة لوقايتهم من نيران الحرب العشوائية، ولا سيما في ظل تحالف الفصائل الإسلامية الأخير، واشتداد الحرب بين «داعش» و«الجيش الحر» في الشمال.
26/5/13927
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha