سليمان تقي الدين
الاتفاق الأميركي الروسي على مقايضة الضربة العسكرية بنزع السلاح الكيماوي الذي سلك طريقه الجدي لا يؤدي بالضرورة إلى نجاح «جنيف 2» لحل سياسي شامل. حصل الأميركي على أولويته والروسي كذلك.
لكن الحل السياسي الشامل دونه عقبات على مستوى الداخل السوري وعلى مستوى القوى الخارجية الفاعلة في الأزمة. ربما نكون فعلاً أمام استبعاد كامل للتدخل العسكري الخارجي إلا في ظل شرعية الأمم المتحدة، وهذا ما يطالب به الروس وأكثرية المجتمع الدولي، لكن الحرب التي استمرت لمدة سنتين ونصف سنة بواسطة القوى المحلية ومساعدة القوى الإقليمية قد تستمر لسنوات طويلة. تتغيّر أشكال الحرب ووسائلها برغم السقف الدولي وضوابطه كما يحصل في العراق أو اليمن أو ليبيا، وكما حصل في لبنان خلال الحرب الأهلية. لم تبدأ الأزمة السورية حول السلاح الكيماوي ولن تنتهي به. فلا زال الحديث الأميركي الروسي عن الحل السياسي في سوريا غامضاً وخجولاً برغم التوافق في «جنيف 1» على عناوين ومبادئ عامة. فمن المؤكد أن الحل السياسي لا يعني الشيء نفسه للأطراف جميعاً. ولن يكون «جنيف 2» أفضل حالاً مع تعقيدات الأزمة وتورط الكثير من الأطراف ورهن مواقعهم وأدوارهم على نتائج هذه الأزمة. فلقد صارت الكثير من النزاعات تجد التعبير عنها في «الساحة السورية» و«الصراع على سوريا». صحيح ان الاستنزاف والإنهاك طاولا المتدخلين سياسياً ومادياً ولا سيما إيران وتركيا والخليج العربي، غير ان نزعة الصمود حتى «ربع الساعة الأخير» يظل يحفزها على التدخل. كما ان طبيعة النزاع الداخلي ظهّرت مسألة الاثنيات والجماعات الطائفية وبات أي حل محكوماً بإعطاء ضمانات وتطمينات ومشاركة فعّالة ليست سهلة في مجتمع عاش عقوداً طويلة تحت وهم الدولة العلمانية المركزية مع تعطيل كامل لحياته السياسية.
ففي لحظة الاتفاق الأميركي الروسي تراجع دور جميع الأطراف الآخرين ورحّبوا بتلافي الورطة. إلا أن أحداً لا يطمئن إلى صياغة النظام السياسي الجديد ولا توازنات النظام الإقليمي الذي تحدد ملامحه الأساسية نهاية الأزمة السورية. نستطيع ان نحدد المصالح الأميركية والروسية وهي تتقاطع على ما صار يعرف بـ «الإرهاب» والتطرف الديني، وضمان أمن إسرائيل، وحصر القوى الإقليمية في حدود لا تعطيها دور «الإمبريالية الفرعية» أو الهيمنة على مدى جيوسياسي واسع، وكذلك اقتسام النفوذ في بعض المصالح الأخرى كالنفط والغاز والأسواق. لكن ما لا نعرفه هو مصير هذه الدول الإقليمية الفاعلة وكيف تتعامل مع وضع دولي جديد حيث لا تريد الولايات المتحدة خوض الحروب المباشرة، وليس في أولوياتها النفوذ الأمني بل ترميم وضعها الاقتصادي. بينما يحاول الروس استعادة نفوذ سياسي افتقدوه، في مواجهات سياسية لا يسندها اقتصاد حيوي وناشط إلا في ميدان السلاح.
كيف ستخرج المنطقة من تناقضات متعددة ومتشعّبة أمر يفيض عن صيغة اقتسام النفوذ الدولي كما كان يتم في عصر الاستعمار القديم.
أثبت الرئيس الأميركي انه لا يريد التورط في حرب جديدة تاركاً خيبة في العديد من الدول والأوساط المراهنة على القوة المباشرة الأميركية. لكن الكثير من النزاعات لن تتوقف والضغوط الاقتصادية و«العقوبات» تظل فاعلة لارهاق الدول المنخرطة فيها. ومن دون مبالغة يضغط عدم الاستقرار السياسي والأمني على الدول والمجتمعات ليفرض في نهاية المطاف سياسات عقلانية وخيارات ذات أولويات تنموية وليس خيارات حربية. وفي المنطقة الآن أكثر من دليل على فشل المشاريع الأديولوجية والحركات المتطلعة إلى التوسع السياسي في ظل أفكار عقائدية غير مرتكزة إلى مجتمعات مستقرة وفيها انقسامات أو ضعف اندماج وانخفاض في مستويات المعيشة. بل إن الثورات العربية تؤكد مصداقيتها وشرعيتها في ما كانت تطمح إليه على هذا الصعيد.
أصبحت الصراعات الإقليمية مصدراً إضافياً لهدر ثرواتها وفقدان استقلالها وسيادتها واستقرارها وتقدمها الاجتماعي. ولقد تأكد ان الاستبداد والتبعية والرضوخ لاملاءات الخارج عملية مترابطة. كما أن التعسّف والتفريط بثروات الشعوب وإدارتها هو الوجه الآخر من سلبها كرامتها الوطنية.
المصدر: جريدة السفير
3/5/13917
https://telegram.me/buratha