بعيداً عن التحليلات السياسية، لا بد في ذكرى مرور عامين ونصف العام (1) على إنطلاق الأحداث الدمويّة في سوريا من التوقّف عند جملة من الأرقام (2) التي تعكس واقعاً مخيفاً بلغته الأزمة، ودفع ثمنه الباهظ الشعب السوري، وأرخى نتائجه المدمّرة على أسس ومقّومات الدولة السورية وبناها التحتيّة، وعلى الإقتصاد السوري ومختلف القطاعات الصناعية والإنتاجية والسياحية والإجتماعيّة، إلخ.وفي هذا السياق، وعلى مستوى عدد الضحايا، فإنّ الرقم الموثّق بلغ 77,000 قتيل (حتى تاريخ 31 آب 2013)، علماً أنّ تقديرات الأمم المتحدة والعديد من الهيئات والمنظّمات غير الحكومية تؤكّد أنّ الرقم تجاوز المئة ألف قتيل بنحو عشرة آلاف ضحيّة. والمفارقة اللافتة أنّ أكثر من نصف عدد القتلى يعود إلى المُقاتلين المتواجهين، وليس إلى المدنيّين. ولا أرقام دقيقة بالنسبة إلى قتلى كل جانب في المعارك، والمشكلة أنّ الكثير من الإحصاءات الغربيّة في هذا الصدد، تستند إلى إحصاءات "المرصد السوري لحقوق الإنسان" (ومقرّه بريطانيا)، والذي تحمل أرقامه مبالغات غير موثّقة من هيئات محايدة، حيث يتحدّث عن مقتل ما بين 21,850 و45,478 من مسلّحي المعارضة (الفارق كبير بفعل غياب الإحصاءات الموحّدة، نتيجة سوء التنظيم وتعدّد الميليشيات السوريّة والأجنبيّة المقاتلة)، في مقابل مقتل نحو 27,654 جندي من الجيش السوري والقوى الأمنية الأخرى، إضافة إلى 17,824 من أفواج "اللجان الشعبية" وهي عبارة عن ميليشيات محلّية داعمة للنظام تمّ تشكيلها حديثاً. وبحسب نفس الإحصاءات، فإنّ 180 عنصراً من "حزب الله" سقطوا في المعارك في سوريا حتى تاريخه.وبالنسبة إلى النازحين واللاجئين فقد بلغ عددهم حتى اليوم، 4,30 مليون نازح، أغلبيّتهم انتقلوا إلى مناطق أكثر أماناً داخل سوريا، والآخرون (أقلّ بقليل من مليوني شخص) هُجّروا إلى دول الجوار، أي لبنان (677 ألف مسجّلين رسمياً، إضافة إلى مئات الآلاف دخلوا بصورة غير شرعية وهم غير مسجّلين في اللوائح)، وتركيا (أكثر من 200 ألف موزّعين على مخيّمات حدودية، إضافة إلى عشرات الآلاف في عمق المناطق التركيّة)، والأردن (140 ألف مسجّلين، إضافة إلى عشرات الآلاف غير المسجّلين)، والعراق (215 ألف مسجّلين، إضافة إلى عشرات الآلاف غير المسجّلين)، وعشرات آلاف اللاجئين إلى مصر والجزائر وغيرهما. وبحسب الأمم المتحدة، فإنّ أزمة النازحين من سوريا، هي الأسوأ في العالم منذ حرب رواندا قبل نحو عقدين.وبالنسبة إلى عدد المقاتلين المتواجهين حالياً، يقدّر عدد أفراد الجيش السوري النظامي الذين لا يزالون في الخدمة (توجد مجموعة إلتحقت بالجيش السوري الحرّ، ومجموعة ثانية هربت إلى خارج البلاد، ومجموعة ثالثة تُعتبر فارة من الخدمة العسكرية) بنحو 120,000 عسكري. ويدعمهم نحو 50,000 مجنّد جديد تحت عنوان "اللجان الشعبيّة" المشكّلة حديثاً، وكذلك نحو 15,000 مقاتل من لبنان والعراق وإيران. وهم يتواجهون مع نحو 70,000 مقاتل منضوٍ في صفوف المعارضة السورية المتعدّدة الولاءات، ومنهم نحو 12,000 مقاتل يحملون جنسيّات غير سوريّة.وعلى مستوى الخسائر المادية، تدمّر أكثر من 9000 مبنى حكومي (دُمّر بشكل كامل أو جزئي). كما دمّرت 3790 مدرسة، الأمر الذي وضع أكثر من 5 ملايين تلميذ خارج صفوف ومقاعد الدراسة.وفي ما خصّ الأضرار الإقتصادية الإجمالية، فالأرقام متفاوتة، لكنها تتراوح بشكل خاص ما بين 60 و80 مليار دولار أميركي. ومالياً، تراجعت قيمة العملة السورية من نحو 47 ليرة للدولار الواحد قبل الأزمة، إلى نحو 200 ليرة سورية لكل دولار أميركي حالياً، بالتزامن مع تراجع احتياط المصرف المركزي السوري من العملات الأجنبيّة إلى الحدود الدنيا، ومع وصول عجز الموازنة إلى أكثر من 21 %. كما ارتفع معدّل التضخم ليصل إلى 84,4 %. وإجتماعياً، ارتفع عدد العاطلين عن العمل من نصف مليون شخص قبل الأزمة، إلى نحو مليونين ونصف مليون نسمة حالياً.وفي الخلاصة، إنّ الأرقام المُسجّلة، وبغض النظر عن مدى دقّتها، بلغت سقفاً عالياً جداً، بحيث باتت سوريا بحاجة إلى سنوات طويلة لاستعادة عافيتها من مختلف النواحي، هذا إذا افترضنا أنّ الحرب ستنتهي غداً، علماً أنّ هذا الغد لا يزال بعيداً وفق المعطيات الراهنة!
https://telegram.me/buratha