تَرى مجلة فورين بوليسي أن حقيقة الموقف الدولي الآن هي أن احتمالات هذه الضربة آخذة في التناقص وأن السياسة الأميركية تجاه سوريا كانت تتجه نحو الحضيض. لذا ينبغي على أوباما -بحسب المجلة الأميركية- السعي لاستخدام مناورة موسكو كفرصة لاستعادة الزخم الدولي والمحلي بشأن سوريا لصالحه، حتى مع الاعتراف بما تنطوي عليه من خدعة ساخرة مؤكدة. كما أن القيام بذلك سيتطلب بُعد نظر دبلوماسي ومهارة لم تبدِها الإدارة الأميركية بعد ولكن حان وقتها الآن.وقال المحلل سياسي في المجلة: لا ينبغي أن يثير التدخل الروسي في اللحظة الأخيرة في محاولة لوقف العملية العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط مفاجأة كبيرة. ويضيف مايكل سينغ قوله: لقد تدخلت موسكو في جهود أخيرة مماثلة في محاولة يائسة من جانبها قبل حربي الخليج الأولى والثانية، وذلك على الأرجح لتحقيق هدفين توأمين: المحافظة على أحد حلفائها، وبالتالي على النفوذ الروسي، في المنطقة؛ وعرقلة استخدام القوة من قبل الولايات المتحدة وبالتالي الدفاع عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، الذي تطبقه موسكو بصرامة على غيرها من القوى الدولية ولكنها تغض الطرف عنه في سلوكياتها مع بقية الدول لاسيما مع جيرانها.وتابع: في حين ربما تكون الدوافع الروسية اليوم مماثلة لدوافعها في الحالات السابقة إلا أن الموقف الذي يواجهه الرئيس باراك أوباما يبدو مختلفاً تماماً عن ذلك الذي واجهه سابقوه. وفي ضوء افتقار العملية العسكرية الأمريكية للدعم الدولي الكافي وطلب أوباما الحصول على ترخيص يواجه هزيمة على نحو يبعث على الحرج في مجلس النواب وربما في مجلس الشيوخ الأمريكيين، فقد يرى البيت الأبيض أن المبادرة الروسية هي هبة حقيقية من السماء. وسيدعي أوباما أن عرض موسكو هو ليس فقط نتيجة للدبلوماسية الخشنة الممارسة تجاه روسيا بعد إلغائه لقاء قمة كان مخططا له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي ولكنه أيضاً نتيجة لـ "تهديدات عسكرية ذات مصداقية" تجاه سوريا. ومع ذلك، ففي الواقع كانت مصداقية التهديدات العسكرية الأمريكية تتلاشى بسرعة، حيث بدت خسارة التصويت في الكونغرس على طلب أوباما السماح له بتوجيه ضربة عسكرية على سوريا تلوح في الأفق. والشيء الحقيقي الذي تقدمه هذه المناورة الروسية للبيت الأبيض هو منحه فرصة لكسب مساحة للمناورة والسعي لتحويل الزخم بشأن سوريا مرة أخرى في صالحه. ومع ذلك، فإن تحويل عرض موسكو لمصلحة الولايات المتحدة سيتطلب نهجاً واقعياً ودهاءً دبلوماسياً.ويبدو الاقتراح الروسي، في ظاهره -لدى المحلل السياسي- غير عملي إلى حد كبير. فحتى لو تعاون نظام بشار الأسد مع مفتشي الأسلحة الكيماوية وتم تحديد مواقع تلك الأسلحة مع إمكانية الوصول إليها وسط حرب أهلية دائرة تتنافس فيها مجموعة من الجماعات المسلحة على السيطرة على الأراضي مع محدودية سيطرة دمشق على المشهد، كل ذلك سيجعل هذه المهمة شبه مستحيلة ناهيك عن أن تدمير مثل هذه الأسلحة الكيماوية سيأخذ وقتاً طويلاً. بيد، يشير سجل الأسد إلى أنه لن يتعاون في هذا الشأن. فقد أعاق الجهود المبذولة من قبل مفتشي الأسلحة النووية التابعين للأمم المتحدة إلى يومنا هذا كما أنه تقاعس عن تسهيل وصول ممثلي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" إلى مواقع الأسلحة النووية السورية المشتبه بها. وكما هو الحال بالنسبة لصدام حسين في التسعينيات، فمن المتوقع أن يبذل الأسد قصارى جهده للحفاظ على قدرات الأسلحة الكيميائية التي تملكها سوريا ومراوغة المفتشين.والأهم من ذلك إن الصراع في سوريا لا يرتبط بالأسلحة الكيماوية أو استخدامها أو التخلص منها. لقد كان أوباما قد قرر أن استخدام الأسلحة الكيماوية يعتبر خطاً أحمر بالنسبة للتدخل الأمريكي، كما جعل على نحو يدعو للحيرة والدهشة مسألة القضاء على قدرات الأسد الكيماوية هدفاً مستقلاً على ما يبدو عن أهداف الولايات المتحدة الأوسع نطاقاً في سوريا، مثل "الحل السياسي" الذي كثيراً ما تؤكد الإدارة الأمريكية أنه ضروري.وفي رأي مايكل سينغ، أن استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية هو فقط إحدى الطرق التي خرج فيها الصراع السوري عن السيطرة وهدد بدوره مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة. فقد خلف هذا الصراع حصيلة مروعة من القتلى واللاجئين، وهدد بزعزعة استقرار الدول المجاورة لسوريا وضخَّم من حجم التهديد الإرهابي في المنطقة، كما وضع عبئاً اقتصادياً وأمنياً كبيراً على بلدان مثل الأردن وتركيا. كما ساهم أيضاً في تفاقم التوترات بين القوى الإقليمية وبين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. وحتى لو نجح المقترح الروسي - متجاوزاً بذلك كل التوقعات - في القضاء على مخازن الأسلحة الكيميائية في سوريا، إلا أن لهذا المقترح بصيغته الحالية (وبصورته غير المكتملة كما هو مسلم به) احتمالاً ضئيلاً في التعامل مع التهديدات الإستراتيجية والإنسانية الأوسع نطاقاً الناشئة عن الصراع السوري. وحقيقة أن هذا المقترح تلقى دعماً سريعاً من حلفاء الأسد الرئيسيين - روسيا وإيران - تشير إلى أن هؤلاء يرون أنه وسيلة لإنقاذ الأسد بدلاً من مساءلته ومحاسبته.ورغم هذه العيوب -يضيف المحلل السياسي لمجلة فورين بوليسي- تستطيع إدارة أوباما تحويل المقترح الروسي لصالحها. فلا ينبغي أن يركز الرد الأمريكي على موقف موسكو وإنما على المصلحة الكامنة في تجنب التدخل العسكري الأمريكي المفهوم ضمنياً من هذا الموقف. وتحقيقاً لهذه الغاية ينبغي على الولايات المتحدة أن تصر على ألا يتم القضاء على الأسلحة الكيماوية وسط هذا الصراع لكن لا بد أن يكون ذلك جزءا لا يتجزأ من حل مرضٍ لهذا الصراع. ويتعين أن يشمل مثل هذا الحل محاسبة الرئيس الأسد وأعضاء رئيسيين داخل دائرته المقربة لاستخدامهم الأسلحة الكيماوية فضلاً عن وحشيتهم تجاه المدنيين السوريين. وعلى كل حال ليست هناك فائدة تذكر من ردع أو معاقبة استخدام الأسلحة الكيماوية إذا كنا نبرر ضمنياً ذبح عشرات الآلاف من المدنيين السوريين. وينبغي أن يتضمن الحل أيضاً قيام آلية دولية لحماية هؤلاء المدنيين في المرحلة القادمة. وفي الوقت نفسه، ينبغي على أوباما أن يطلب من الكونغرس السماح له باستخدام القوة العسكرية إذا فشلت الجولات الدبلوماسية في الوصول إلى نتيجة مرضية مع عدم تقييد هذا التفويض بشكل مفرط بحيث يجعل الرئيس في موقف ضعيف في مواجهته لموسكو ودمشق. ومن شأن ذلك أن يضفي ليس فقط بعض المصداقية الحقيقية على التهديدات العسكرية الأمريكية بل يقدم أيضاً نهجاً من المرجح أن يجتذب مزيداً من الدعم. كما أن اقتراح إدارة أوباما السابق كان ضيقاً للغاية في محاولة لكسب الدعم الداخلي ودعم مشابه من الحلفاء، ومن المفارقات أن ذلك جعل رفضه سهلاً، ليس لأنه مرتبط بمصالح استراتيجية حيوية بل لارتباطه بـ "أعراف دولية" مجردة كان المجتمع الدولي مع ذلك غير مستعد ليضعها موضع التنفيذ.ويختتم المحلل السياسي تقريره بالقول: قد يكون المقترح الروسي نتيجة لتصريح عفوي صادر عن وزير الخارجية جون كيري شأنه شأن تصريح أوباما الأصلي بخصوص "الخط الأحمر" الذي ربما لم يخطط له أو لم يدرسه بشكل جيد. كما أنه يشكل خيبة أمل للمعارضة السورية وبعض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، الذين كانوا يأملون أن تحوّل الضربة الأمريكية دفة الأمور ضد الأسد.
https://telegram.me/buratha