اسم الكاتب: محمد بلوط
حين يصبح التهديد بالعدوان على سوريا عبئاً على الولايات المتحدة وفرنسا، تبدأ محاولات كسب المزيد من الوقت وتأجيل إطلاق العمليات الحربية، والرهان على صفقة سياسية تحقق الأهداف الأميركية من دون اللجوء إلى البارجات في شرق المتوسط.
وخلال الساعات الماضية لم تعد توقعات التصويت في مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأميركي وحدها منطلق العد التنازلي للحرب العدوانية الأميركية - الفرنسية على سوريا، إذ تجري إحالة قرار الحرب إلى الأمم المتحدة وربطها بأجندة تقرير خبراء الكيميائي الأممي وموعد نشره ومحتواه.
وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي يواجه معارضة ثلثي الفرنسيين لأي انخراط في الحرب على سوريا، قد وعد «باتخاذ قرار بهذا الشأن بعد احتمال رفع القضية أمام الأمم المتحدة».
وتبع الموقف الانسحابي الفرنسي توافق بين وزراء الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الأميركي جون كيري بعدم التحرك ضد سوريا قبل تبلور صورة تقرير أممي عن الكيميائي في سوريا، علماً أن صلاحيات الخبراء لا تشمل تحديد من استخدم الأسلحة الكيميائية في الغوطة الدمشقية.
والتحق كيري بالموقف الفرنسي الانتظاري لتقرير الأمم المتحدة، علماً أن أحداً لم يعر محققي «الكيميائي» اهتماماً في بداية عملهم، بل إن واشنطن ضغطت في الأيام الأولى لوصولهم إلى دمشق وطالبت بسحبهم بمجرد رفعهم العينات.
وأعلن كيري، الذي التقى الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ووزراء خارجية السعودية ودولة الإمارات والبحرين وقطر ومصر والأردن والكويت والمغرب في باريس، أن الولايات المتحدة لم تستبعد إمكانية العودة لمجلس الأمن للحصول على قرار بشأن سوريا بمجرد أن ينتهي مفتشو الأسلحة التابعون للأمم المتحدة من تقريرهم. وقال «بخصوص تصريحات الرئيس هولاند المتعلقة بالأمم المتحدة ينصت الرئيس أوباما، ونحن جميعاً، بعناية لكل أصدقائنا. لم يتخذ الرئيس قراراً بعد»، لكنه ألمح إلى أن دولاً عربية تسعى لرد صارم.
وفي سياق البحث عن كسب الوقت للخروج من الاستعصاء الناجم عن رفع سقف التهديدات بالحرب، وعجز الولايات المتحدة عن تنفيذها، وضبط الانفجارات المتولدة عنها، لفت أيضاً اهتمام الرئيس الأميركي باراك أوباما، في مؤتمر صحافي في سان بطرسبرغ الجمعة الماضي، باقتراح يمنح النظام السوري مهلة 45 يوماً إضافية، وتأجيل أي عمل عسكري إذا ما وافقت دمشق على التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية. ووصف اوباما مثل هذا الاقتراح بأنه «بناء».
وتبدو العودة الأميركية والأوروبية إلى الأمم المتحدة إشارة مهمة لتفعيل مخارج سياسية، من دون أن يعني ذلك استبعاد الخيار العسكري. وكان وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس اعتبر، أمس الأول، أن «العملية العسكرية شرط لازم لإنجاح جنيف»، وهي عملية اعتبرت على الدوام المقصد النهائي للعملية العسكرية على حد زعم الأميركيين والفرنسيين، وأن جل ما يقومون به هو تحسين شروط التفاوض لمصلحة المعارضة السورية.
فعلى مستوى «الكيميائي» السوري، يبدو التصور الذي يعكسه موقف أوباما، رغم انه لم يتبلور بوضوح ويدخل في سياق الارتباك السائد لدى الرئيس الأميركي، هو الأقرب إلى منطق الصفقات التي تحفظ ماء وجه الأميركي أولا، وتضمن أمن إسرائيل، وهو الهدف الأولي الذي حدده للعدوان، ويوقف العد العكسي لأي عملية عسكرية. ويستند تحقيق التصور إلى تطوير البروتوكول الحالي للجنة الخبراء الأمميين وتحويل مهمتهم إلى مهمة بحث وتحديد مخزون «الكيميائي» السوري، بضمانات روسية - أميركية مشتركة ووضعه بعهدة الأمم المتحدة. إن خطة من هذا النوع تتطلب مسبقاً أن تقوم دمشق بالتوقيع على معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية.
ويجري تداول رقم الألف طن من المواد الكيميائية التي قامت سوريا بتطويرها في مراحل مختلفة منذ السبعينيات. ورفضت سوريا مبادرة وكالة الطاقة النووية منتصف التسعينيات من اجل شرق اوسط خال من اسلحة الدمار الشامل ما لم يتضمن اسرائيل غير الموقعة على معاهدة الحد من الأسلحة النووية. وتقدم الاقتراح بتفكيك «الكيميائي» السوري خطوة اخرى، إذ ابدى وزير الدفاع النمساوي غيرهارد كلوغ، في رسالة بعث بها الى نظيره الأميركي تشاك هايغل، استعداده لإرسال 20 خبيراً نمساوياً للمشاركة في بعثة أممية تشرف على التخلص من المخزون «الكيميائي» السوري. وهو الإعلان الأوروبي الأول، من بلد قريب من سوريا تقليدياً، للانخراط في عملية معقدة، للخروج من الاستعصاء العسكري والديبلوماسي.
أما تفعيل جنيف كقناة موازية ومتزامنة مع البحث بتحييد «الكيميائي» السوري، فقد جرى اختبار عرض أوروبي جديد يستعيد التفسير الأوروبي القديم للاتفاق المعقود في 30 حزيران العام 2012، ونقطته الخلافية الكبرى في تنحية الرئيس السوري الأسد قبل البحث في نقاط الحكومة الانتقالية والانتخابات.
وبحسب مصدر ديبلوماسي غربي، فقد قدمت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، في سان بطرسبرغ الجمعة الماضي، لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اقتراحاً يقضي باستدعاء أطراف جنيف بأقرب وقت ممكن. وقال المصدر الديبلوماسي الغربي إنه جرى استدعاء الوسيط الأممي العربي الأخضر الإبراهيمي، من جنيف، لحضور الاجتماعات إلى جانب آشتون والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. ووصف الأجواء بأنها كانت إيجابية بشأن اقتراحات دارت حول عملية انتقالية تبدأ على الفور، على ان يتنحى الأسد في غضون ثلاثة اشهر. وقال المصدر إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفض العرض، وقال إن السوريين وحدهم هم من يحدد الموقف.
وفي هذا السياق، أكد كيري أن «انتهاء الحرب الأهلية في سوريا يتطلب حلاً سياسياً فلا يوجد حل عسكري»، مشدداً على أن «ما تسعى إليه الولايات المتحدة مع شركاء آخرين في المجتمع الدولي هو ضمان احترام القوانين في مجال الأسلحة الكيميائية. نحن لا نريد أن نكون طرفاً في النزاع».
وفي الوقت الذي يبدأ فيه الكونغرس الأميركي اجتماعاته اليوم، يصل وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى موسكو. كما يصل الى موسكو مساعد وزير الخارجية الإيراني امير حسين عبد اللهيان.
نقل مراسل شبكة «سي بي اس» الأميركية تشارلي روز عن الأسد نفيه، في مقابلة مع القناة تبث كاملة اليوم، «أي صلة له بهذا الهجوم» في إشارة الى هجوم الغوطة.
وأضاف روز إن «الأمر الأكثر اهمية الذي قاله هو ان لا وجود لدليل على استخدامي اسلحة كيميائية ضد شعبي»، وانه «لا يعلم بالضرورة ما اذا كانت ستحصل ضربة» عسكرية لسوريا. وذكرت الشبكة أن الأسد حذر من رد انتقامي من جانب المتحالفين مع سوريا في حال نفذت الولايات المتحدة ضربة عسكرية، مؤكداً أن السوريين «استعدوا لهذا الأمر بأفضل ما يستطيعون».
وأشار روز إلى أنه سأل الأسد عما إذا كان يخشى أن يتسبب الهجوم في تقويض الجيش السوري والإخلال بميزان القوى في الحرب، فأبلغه الرئيس السوري بأنه «قلق للغاية من ذلك». وبعث الأسد رسالة إلى الشعب الأميركي بأنه يجب عليهم ألا يتورطوا في صراع جديد بالشرق الأوسط.
المصدر: جريدة السفير
26/5/13910
https://telegram.me/buratha