تعيش جماعة الإخوان المسلمين، بعدما تحولت من القوة صاحبة الشرعية والسلطة الى جماعة منبوذة، أزمة كبيرة تعد من أشد الأزمات وأصعبها، ويمكن أن تؤدي إلى انهيار كلي أو جزئي لتنظيم الجماعة.
انتحار سياسي
يقول البعض أنه لا مستقبل لهذه الجماعة، وأنها دخلت في حال انتحار، وإنها وضعت نهايتها بنفسها. ولكن لا يمكن التعويل كثيرا على أطروحة الانتحار. فالتنظيمات لا تنتحر بسهوله كالأفراد. والأزمة في جوهر تعريفها حالة قد لا تؤدي إلى الموت بالضرورة، فثمة مخارج ومسارات أخرى يمكن أن تسير فيها في ضوء تداعياتها والعوامل المؤثرة فيها. ولكن الأكيد هو أن الحال بعد الأزمة لن يكون هو نفسه. وبناء عليه فإن الجماعة لن تعود قط كما كانت، حتى وإن تعدت هذه الأزمة.
في هذا الإطار، يمكن طرح مسارات سيناريوهات أساسية لمستقبل الجماعة في ضوء ما يمكن أن تتفاعل به متغيرات الأزمة الحالية:
سيناريو التفاؤل ونبذ العنف
الأول: هو المتفائل الذي يفترض أن تتراجع الجماعة عن موقفها الرافض والعنيف، خصوصا بعد تراجع الأطراف الداعمة للعنف، سواء من بعض قادة جماعة الإخوان المسلمين أو من التيار السلفي الجهادي في سيناء، وتبدي مرونة في المشاركة والإندماج، لأن استمرارهم في ممارسة العنف يهدد بقاء المشروع الإسلامي كله، وبالتالي فإن العودة للحوار السياسي ضرورة ومصلحة دينية في الوقت ذاته.
ومن المتوقع، إذا تم انتهاج هذا السيناريو، أن يتم تطبيقه سريعا، خاصة في ظل مبدأ السمع والطاعة في الجماعة، علاوة على أن هذا السيناريو قد يلقى دعما من قيادات إسلامية في الخارج مثل راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية، والذي حث على التصالح حتى لا تضيع الفرصة.
وفي مثل هذه الحالة سيستمر التنظيم بكل مكوناته (الجماعة كمنظمة أهلية والحزب كجناح سياسي)، لكن هذه الاستمرارية لن ترجع الجماعة إلى سابق عهدها، فذلك سيستغرق وقتا طويلا ويعتمد على مدى الإقناع الذي تقدمه للناس، ومدى قدرتها على المراجعة والتوافق مع متغيرات العصر واتجاهها نحو الوطن وليس الخارج، ومدى تحول الأفراد عن تصوراتهم السلبية حول الجماعة التي تكونت عبر الأشهر السابقة، وإبعاد الصور الذهنية النمطية التي لحقت بها كالفشل في الإدارة، والارتماء في أحضان الخارج والاستقواء بهم، والميل الإرهابي، والمراوغة السياسية (عدم المصداقية في القول والفعل).
سيناريو اللجوء للعنف
الثاني يفترض أن تظل الجماعة على موقفها من عدم المرونة وعدم نبذ العنف وعدم المراجعة.
وهذا يعني أن جماعة الإخوان المسلمين قد تهجر العمل بالسياسة، وتلجأ للعنف المسلح. وفي حال حدوث هذا السيناريو، قد تخسر جماعة الإخوان المسلمين ما قامت ببنائه خلال أكثر من 80 عاما، بل قد يؤدي سلوكها هذا إلى انتهاء مشروع الإسلام السياسي بكل مكوناته. ويدعم هذا السيناريو معسكر الصقور في الإخوان المسلمين الذين يرون أن شرعيتهم «معركة نصر أو شهادة».
مثل هذا السيناريو قد يكون متقاربا مع السيناريو الجزائري، الذي نتج عنه أكثر من 100 ألف قتيل، وانتهى إلى بقاء الدولة الجزائرية، بينما خرجت التيارات الإسلامية من ملعب السياسة، وبقيت حركات محدودة معتدلة التوجه، ولكن تأثيرها محدود.
وإزاء هذه التداعيات، يمكن أن يشي المستقبل بطول أزمتها وطول صراعها مع الدولة والمجتمع، خصوصا مع الفصائل المدنية.
وفي هذا المسار لا يمكن إخراج الدين من حلبة الصراع، فسيحضر بقوة وتتعدد أطرافه (ليس فقط المسيحي الإسلامي، بل الإسلامي الإسلامي أيضا). في هذا السياق، ربما يعود استخدام لفظ «المحظورة» لوصف الجماعة، وربما يحل محله لفظ «الجماعة الإرهابية».
ويعتمد ذلك على درجة التسامح والمرونة من جانب النظام السياسي والمجتمع تجاه الجماعة بين اعتماد سياسة «الاحتواء» أو نهج «الاجتثاث».
سيناريو التفكك الداخلي
الثالث يرتبط بإمكانية أن تتعرض الجماعة لأزمة تفكك داخلي أو انقسام. حيث يفترض هذا المسار أن تؤدي الأزمة إلى بروز الانقسامات الثانوية داخل الجماعة وتحولها إلى انقسامات جوهرية، كأن يثور الشباب على التيار القطبي (نسبة إلى سيد قطب) المتطرف الذي يسيطر على الجيل المهيمن في الجماعة الآن، أو أن يذهب البعض من أعضاء الجماعة العاديين إلى مراجعة مصالح حياتهم المهددة وما تعرضوا إليه من ضغط وخسارة، أو قد يظهر قائد جديد بفكر مختلف ينشق عن الجماعة.
وتعمل تداعيات هذا المسار على تكاثر التيارات الإسلامية، وتكاثر التفسيرات والفتاوى، فتتعدد القوى الإسلامية وربما تدخل في صراعات داخلية بحيث يقصي بعضها بعضا.
الجماعة باتت شبه منقسمة على ذاتها، فهناك تيار إصلاحي يسعى إلى تصحيح مسار الجماعة عبر الإقرار بالأخطاء التي وقعت فيها ويرى هذا التيار ضرورة الانزواء عن المشهد السياسي لفترة حتى تظهر قيادات جديدة تستطيع قيادة الإخوان.
وتعتبر أن القبض على المرشد العام محمد بديع انتهاء لصفحة التيار القطبي داخل جماعة الإخوان المسلمين، وسيصبح مستقبل الجماعة في يد التيار الإصلاحي الجديد، بعد أن فشل التيار القطبي في مهمته. بمعنى أن التيار الإصلاحي داخل جماعة الإخوان المسلمين، وهو الجيل الثالث للجماعة، هو الذي سيتولى قيادة الجماعة خلال الفترة المقبلة، وسيكون بمقدور الإصلاحيين فرض رؤيتهم رويدا رويدا، لاسيما أن معظم القطبيين ملاحقون قضائيا، وعندما تهدأ عاصفة إزاحة الإخوان عن الحكم، ستتكشف حقائق جديدة أمام القواعد تجعلها أكثر مرونة نحو الإصلاح.
هذا التيار هدفه الدفاع عن الأفكار الوسطية للإسلام وإدانة الأفكار المتشددة، وإصلاح المفاهيم الخاطئة التي لحقت بالإسلام، وأن الوطنية من الشريعة، ولا يوجد ما يطلق عليه السمع والطاعة، كما أن فكرة الخلافة ليست من العقائد الإسلامية إنما الوحدة، وأن المسيحيين شركاء في الوطن من دون تمييز.
والتيار الجديد لا يهدف إلى مجابهة الإخوان ولن يكون له دور سياسي، وإنما يقف دوره عند حد التنوير.
مراجعات فكرية
لكن يبدو أن تلك المساعي ستحتاج سنوات لإنضاجها، لاسيما في ظل سيطرة رموز التيار «القطبي» على مقاليد الأمور في الجماعة منذ فترة، إذ ثمة صعوبة في محاولات التيار الإصلاحي تحقيق مراجعات فكرية في التوقيت الحالي، لأن خطاب المظلومية والاضطهاد الذي باتت الجماعة تعتمده أقوى من الاعتراف بالخطأ، وما يجري الآن داخل الإخوان مجرد إرهاصات لتصحيح المسار، لاسيما أن التيار القطبي تمكن من فرض سيطرة شبه كاملة على مقاليد الأمور، وكانت لديه قدرة على استبعاد العناصر الإصلاحية.
سيناريو محاصرة الجماعة
الرابع يفترض تزايد محاصرة الجماعة وعدم التسامح مع العنف الذي تبديه، وتزايد تعنت موقفها وتصلبه، وهنا تظهر الإمكانية للدخول في العمل السري الذي يتخذ من العنف والإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافه.
ويشي هذا المسار بمخاطر عدة، منها إمكانية الانسحاب إلى الأطراف وإلى الصحراء وعبر الحدود، والتعاون مع القوى المعادية في الخارج والعمل في شكل دائم على إرهاق الدولة.
٭ الخامس: إعادة تجربة «أربكان ـ أردوغان»، وهي التي استطاع فيها رجب طيب أردوغان أن يتجاوز مأزق دخول أربكان للسجن ليعيد بناء الحركة الإسلامية في تركيا مرة اخرى ، ويصل الى سدة السلطة في تركيا.
ويستلزم هذا السيناريو سرعة تجاوز الإخوان الإحساس بالهزيمة، وتغليب المنطق على العاطفة. ومثل هذا السيناريو يتطلب تحقيقه المراجعة الداخلية السريعة للإخوان، أي أن الجماعة تقوم على الفور بتنقيح واستبدال قيادات جديدة شبابية منفتحة على العصر بقياداتها السابقة، مع فتح مسار جديد داخل الجماعة يتضمن التوجه للدعوة أولا، وأن يكون جزءا سياسيا منه .
30/5/13906
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha