تبرز في السعودية مجموعات شبابية جديدة بدأت تدير الحراك الاصلاحي بمنهجية وأساليب مبتكرة. وهذا يعاكس ما كان سائداً منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى فترة مخاض الانتفاضات العربية، حيث كانت النخب الثقافية والسياسية في السعودية، بكل اتجاهاتها، هي المبادرة في قيادة الفعل الإصلاحي.
فقد سببت محدودية فرص التعبير عن الرأي في السعودية وانخفاض سقف المتاح أمام المواطنين للإفصاح عن آرائهم بحرية، الاقتصار على وسائل تقليدية في إبراز مطالبهم أو آرائهم حول الأوضاع التي يعيشونها، وتشكيل رؤى سياسية للإصلاح. ولعل أسلوب الخطابات والبيانات العامة كان، ولا يزال، الوسيلة الأكثر تأثيرا وتداولا بين العناصر الإصلاحية وبين الجهات المعارضة لها على السواء.
وكانت فترة حرب الخليج الثانية عام 1991، حين استقبلت الحكومة السعودية قوات غربية اتخذت من أراضي المملكة قواعد لها في حربها ضد العراق، مناسبة لظهور بيانات عامة حازت مدى وأبعادا سياسية واسعة. وتواصلت بعد ذلك بيانات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، خلال 2003-2004، والتي بلورت فيها القوى الإصلاحية مواقف جادة وواضحة من برامج الإصلاح. وشارك في ذلك للمرة الاولى شخصيات من توجهات فكرية وسياسية متنوعة، وربما تكون متباينة. لكن هذه المبادرات راوحت مكانها ولم تحقق تقدما حقيقيا في دفع عملية الإصلاح السياسي في المملكة. وبمقابل ذلك، شددت الحكومة الرقابة والمتابعة على القائمين عليها. ورغم ذلك، بعد سنوات، وُلدت وثيقتان سياسيتان مهمتان للغاية هما "دولة الحقوق والمؤسسات" (23 شباط /فبراير 2011)، و"نداء وطني للإصلاح" (بعد ذلك باسبوع). وميزة الوثيقتين تضمنهما مطالب إصلاحية واضحة ومحددة، تشمل ضمان الحريات العامة، ومأسسة أجهزة الدولة بشراكة المواطنين، والدعوة لإقرار دستور للبلاد، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء.
وتعتبر السعودية من أكثر الدول العربية حضانة للتقنية، وشبابها الذين يمثلون نسبة تصل الى 60 بالمئة من السكان للفئة ما دون الثلاثين، يعتبرون أيضا من أكثر المستخدمين لهذه التقنية بصورها المختلفة. ويقدر أن عدد مستخدمي الفيسبوك في السعودية تجاوز الثلاثة ملايين مستخدم، وأن 75% منهم بين سن الخامسة عشرة والتاسعة والعشرين، في ظل أن عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة حالياً يقدر بنحو 13 مليون مستخدم (يقدر عدد السعوديين بحوالى 26 مليوناً). وكشفت دراسات أن أحاديث 54% من المراهقين على إحدى الشبكات الاجتماعية تطرقت إلى موضوعات تُعد من المحظورات في نظر المجتمع، وتتناول قضايا سياسية وفكرية ودينية.
بدأت هذه الفئات الشبابية مجددا، قبل الأحداث الجارية في المنطقة العربية، تأخذ مواقع متقدمة في التعبير عن آرائها من دون أن تؤطر نفسها بأطر تقليدية، حزبية أو فكرية أو مناطقية، كما هو الحال في النخب المثقفة والإصلاحية. وتناول الشباب قضايا إصلاحية شملت توثيق حالات الفقر والبطالة، والعديد من القضايا الإجتماعية التي تتعلق بالمرأة والبيروقراطية ودور رجال الدين. وتم ذلك من خلال عرض مقاطع فيديو مصورة من أرض الواقع وبثها على قناة "يوتيوب". كما تم أيضا إعداد برامج فيديو قصيرة، عبارة عن متابعات لأبرز القضايا والأحداث كمسائل الفساد المالي، الواسطة، وضع المرأة، البطالة بين الشباب، حالات الفقر، أزمة الإسكان، سرقة الأراضي، والتعليق عليها بصورة كوميدية تجذب اهتمام ومتابعة المشاهدين، وتوصل لهم رسائل إصلاحية غير مباشرة. وتنال هذه البرامج والمقاطع القصيرة مشاهدة عالية وتداولا بين المواطنين بصورة ملحوظة.
ويبدو "فيسبوك" أبرز وسيلة للتواصل والتشكل الجمعي من خلال الدعوات التضامنية، سواء في أبعادها المدنية أو السياسية، حيث تُطلق مبادرات لحملات جماعية حول مواجهة الطائفية مثلا، أو التضامن مع معتقلي الرأي، والدعوة للتجمعات والحوارات الشبابية حول القرارات الحكومية ومآلاتها، وتبادل المعلومات حول مختلف القضايا والمواقف السياسية. كما ينظم الشباب أيضا حملات التضامن من خلال "فيسبوك" لمواضيع وأحداث عدة تشمل تمكين المرأة، والخدمات الإنسانية وتبادل التقارير الأخبارية، وتنظيم التضامن كما حدث في أثناء كارثة سيول جدة.
أما موقع "تويتر" فقد تحول إلى ساحة حوار وجدل حقيقيين في مختلف القضايا السياسية والدينية والإجتماعية، حيث ان مرتاديه من الشباب يتابعون بصورة مستمرة تغريدات الشخصيات الدينية والسياسية ويبدون مشاركاتهم وردودهم عليها. إضافة إلى ذلك، ينظم الناشطون من الشباب السعودي حملات من تغريدات التضامن، في أوقات محددة، مع سجناء رأي أو موقوفين، بهدف الضغط للإفراج عنهم. كما تتم أيضا إعادة إرسال التغريدات الجدلية المثيرة بصورة كبيرة، وخاصة تلك التي تتعلق بقضايا الفساد الإداري المالي. فقد تم تدشين حملات تضامن مع موقوفين، ابرزهم محمد البجادي والشيخ يوسف الاحمد ونزير الماجد، وهم من اتجاهات سياسية ومذهبية مختلفة، شارك فيها الشباب من مختلف المناطق، مطالبين بمحاكمتهم أو بالافراج عنهم.
ولعل أبرز ما يوضح نمو الدور الشبابي في المطالبة بالإصلاح هو المشاركة في الاحتجاجات المتكررة التي بدأت تأخذ موقعا كبيرا في الشارع العام. ففي آذار/ مارس الماضي، احتجت حوالي سبعة آلاف طالبة أمام مبنى مجمع الطالبات لكليتي الآداب والتربية في "جامعة الملك خالد" في منطقة "أبها"، بسبب الاعتراض على تجاهل الجامعة مطالبهن وإهمال النظافة، وبسبب إساءات المشرفات وحارسات الأمن وإهاناتهن لهن، وعدم توافر كراسي في الجامعة، حتى أنهن اضطررن إلى افتراش الأرض لمتابعة الدروس. وتفاعلت القضية في جامعات سعودية أخرى كجامعة "الجوف" وجامعة "طيبة"، كما انطلقت مطالبات لتطوير البيئة المدرسية والجامعية في عدد من المناطق.
هذا الحراك أطلق عليه البعض "الربيع الجامعي" نظرا لما تبعه من استجابات وتدخل مباشر للمعالجة السريعة التي جاءت بعد توسع هذه المطالب وانتقالها لمناطق مختلفة. بل ان هنالك اصواتا انطلقت مطالبة بعودة إقرار الهيئات والروابط الطلابية المستقلة التي كانت قائمة في السبعينيات من القرن الماضي، وتمَّ حلها.
الحراك الشبابي انطلق أيضا من متخرجي المعاهد الصحية، ويقدر عددهم بثمانية وعشرين ألفا، لم يتم توظيفهم في أجهزة وزارة الصحة، ما دعا مجاميع كبيرة منهم للتظاهر والاعتصام في شباط/فبراير 2012 أمام مبنى وزارة الصحة في الرياض مطالبين بتوظيفهم واعتماد شهاداتهم.
على الصعيد الفكري، أثار "ملتقى النهضة الشبابي" الذي تم عقده في الكويت في نهاية شهر آذار/مارس الماضي من قبل جماعات إسلامية سعودية، واستضاف شخصيات سياسية ودينية مثيرة، جدلا كبيرا في الساحة المحلية بسبب الرؤية المنفتحة والمستقلة التي انتهجها، داعيا الحضور من الشباب والشابات إلى التحرر الفكري والانفتاح على مختلف المكونات الوطنية واحترام حرية الرأي، وهي أمور غير مألوفة في ظل سيادة نمط ومنهج فكري واحد.
4/5/13901
https://telegram.me/buratha