بقلم:محمد نور الدين
ينقل بعض المسؤولين الدوليين الذين التقوا وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو مؤخرا انه في حالة لا يحسد عليها ونقلت صحيفة «ميللييت»، في احدى مقالاتها وصفا مثيرا لحالة داود اوغلو، فيها تأكيد لما تواتر على لسان المسؤولين الدوليين.
وتقول المقالة إن «أحدا لا يعلم كم هو وزير الخارجية غاضب وحزين. ومن يدري بما يفكر. وهو سابقا كان يحلو له تكرار العبارة العزيزة على قلبه صفر مشكلات مع الجيران. ولكن أي صفر مشكلات ؟«.
وتوضح الصحيفة أن «حال داود اوغلو مثل حال البابا في أيامه الأخيرة، عندما كان مريضا حيث قرر أعضاء مجلس الكرادلة ألا يخبروه أي شيء سيئ. وكل صباح كانت تزوره بضع نساء وكان أول سؤال يسأله كيف حال الطقس خارجا؟، وكان الجواب بأن الأزاهير تملأ الأماكن فيسرّ البابا ويشكرهن. حتى في عز الشتاء والثلج والعواصف كان يسأل البابا عن حال الطقس خارجا فيجيبونه: هواء رائع وربيع طاغ وعصافير تغرّد وأزهار تتفتح، ويجيب البابا «أووووه. هذا يفرحني». إلى أن انتفض يوما احد الكرادلة قائلا له: في كل مكان ثلج يسد الطرقات وعواصف تعصف، نحن نخدعك كي تبقى منشرح الأسارير».
وتضيف المقالة أن «هذا بالضبط ما حصل لداود اوغلو. كم كانت العلاقات ممتازة مع الرئيس بشار الأسد وكم مرة كان داود اوغلو يزور دمشق في اليوم الواحد؟». وتنتهي المقالة بالتذكير «بلقاء داود اوغلو مع (رئيس منطقة كردستان العراق) مسعود البرزاني في 4 حزيران العام 2010»، متسائلة «ألم يخاطبه بكاك مسعود؟ (أي أخي الأكبر) واليوم أي دولة كردية جديدة تابعة لحزب العمال الكردستاني ستتأسس في شمال سوريا بعد دولة البرزاني في شمال العراق؟».
ولقد تراوحت عناوين الفشل المرتبطة بالسياسات التركية، من قلة المعلومات إلى أخطاء التقدير إلى المكابرة فكانت المحصلة مفاجآت بالجملة. من مفاجأة سقوط الرهان على سقوط الأسد، وقد أصبح هذا العنوان وراءنا منذ وقت طويل، إلى مفاجأة سقوط محمد مرسي و«جماعة الإخوان المسلمين» في مصر، إلى سيطرة مقاتلي «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي على بلدة رأس العين السورية، وتعزيز السيطرة على معظم المناطق الكردية من شمال سوريا. وهي كلها مفاجآت ثقيلة تضرب أسس السياسة الخارجية، وليست مجرد عثرات يمكن أن تحصل في كل زمان ومكان.
ولعل من بين العناوين المثيرة التي عكست تخبطا وضحالة في التفكير في السياسة الخارجية التركية اثنين. الأول هو الموقف من التطورات الكردية في شمال سوريا. ذلك أن النظام الحاكم في أنقرة، والذي يفترض أن يكون علمانيا في المبدأ، لا يتوانى أن يكشف زيف مقولة الاسم المعتدل لـ«حزب العدالة والتنمية». فقد ثارت ثائرة حكومة رجب طيب اردوغان مع سيطرة الأكراد المؤيدين لرئيس «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان على مناطق في شمال سوريا.
وسرّبت بعض الصحف التركية أن الحكومة التركية تدرس بجدية التدخل العسكري في سوريا وإقامة منطقة عازلة. وهذا يثير غرابة إذ كيف تقبل أنقرة بسيطرة «جبهة النصرة» على حدودها مع تركيا وهي مصنفة منظمة إرهابية في الولايات المتحدة، ولا تثور ثائرتها بينما تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا سيطر الأكراد؟ أليس ذلك برهانا فاقعا على الرعاية التركية الكاملة لـ«جبهة النصرة» والمنظمات التكفيرية؟ ألم يصف نائب رئيس الحكومة بكر بوزداغ بعد معارك القصير «حزب الله» بأنه حزب الشيطان بينما يبرئ داود اوغلو «جبهة النصرة» من الإرهاب بالقول إنها تتواجد في سوريا كردة فعل على «جرائم» الأسد؟.
أما التخبط الآخر فجاء بعد «ثورة 30 يونيو» والإطاحة بمحمد مرسي. ومنذ لحظتها لم يتوقف اردوغان عن التهجم الحاد على وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي واعتبار الحدث انقلابا قائلا انه لن يعترف برئيس غير منتخب.
لقد راهن اردوغان وديبلوماسيته على إمكان التمرد الشعبي لإعادة مرسي إلى الحكم. ولم يبادر الرئيس التركي عبد الله غول إلى الاتصال بالرئيس الجديد عدلي منصور في حين اتصل به كل العالم بمن فيهم حاكم قطر الجديد الشيخ تميم الداعم لـ«جماعة الإخوان المسلمين».
وبعد 25 يوما على التغيير في مصر أدرك الأتراك فشل رهانهم، وكان أن أرسل غول برقية تهنئة بعيد «ثورة 23 يوليو» إلى عدلي منصور. ومع أن البرقية ليست لمناسبة تولي منصور الرئاسة الموقتة، لكنها اعتراف بالوضع الجديد عبر مخاطبة منصور مباشرة، علما بانه ليس من عادة الأتراك التهنئة بعيد الثورة المصرية، التي خاصمها أتراك عدنان مندريس كما خاصمها «الإخوان». ولا يفوّت الإسلاميون الأتراك، ومن بينهم «حزب العدالة والتنمية» فرصة إلا ويشهّرون فيها بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
غير أن ما يثير السخرية اعتبار مصادر حكومية تركية أن البرقية ليست تخفيفا لموقف الحكومة من مرسي، كما أنها صادرة عن مقام رئاسة الجمهورية الذي يعتبر في تركيا «شرفيا»!. وهذا كلام متخبط بحد ذاته وتضليلي. إذ ان السلطة في تركيا واحدة، يتقاسم فيها «حزب العدالة والتنمية» المواقع والأدوار، والرئيس غول جزء لا يتجزأ وأساسي من فريق عمل «العدالة والتنمية»، وأي موقف منه، خصوصا في قضية حساسة جدا كهذه، هو موقف للحكومة بشكل أو بآخر. ثم ان موقع رئيس الجمهورية ليس شرفيا. صحيح أن صلاحياته أقل من رئيس الحكومة، التي بيدها السلطة التنفيذية، لكن للرئيس صلاحيات مهمة جدا لها دورها في أكثر من مفصل.
ما هو ناقص في مقالة «ميللييت» عن البابا هو عما آلت إليه حال البابا المريض، بعد إخباره بحقيقة حالة الطقس خارجا.
9/5/13826
https://telegram.me/buratha