المحامي محمد احمد الروسان*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*الحدث السوري بتجلياته المختلفة والمتشعبة وتداعياته الشمولية، تصدّر ويتصدّر جلّ وسائل الميديا العالمية والأقليمية وسيبقى الى حين، ويستحوذ على أحاديث البشر في المعمورة، لا بل ذهب بعضهم الى القول أنّ الحدث السوري صار حكايات وقصص تروى بين الأفراد في المجتمع الآخر المقابل لمجتمع الأنس، وأعني مجتمع الجن ان لجهة الجزء المؤمن بربه، وان لجهة العاصي لربه، وان لجهة الكافر بربه.كاتب هذه السطور وفي أكثر من مرة وحالة ومسألة وعلى مدار حياة الحدث السوري الذي ما زال يستعر، اشتبك تحليلاً وبحثاً وحديثاً، في جلّ فنون أدوات الطرف الثالث ووكلائه من بعض العرب المرتهن والخائن في المسألة السورية، بحثنا في موضوع عملاء استخبارات متخصصون بالحرب النفسية والملف السوري، وأتبعناه بتحليل اسناد لجلّ الفكرة الأنفة وتحت عناوين على شاكلة:- صناعة الكذبة في سورية، عمل الوحدات الخاصة الأمريكية، وكلاء الحرب الأمريكية في سورية من بعض العرب المرتهن والخائن، مفاهيم الأغتصاب للنساء وقتل الأطفال ومكافحة الأرهاب لتشريع عمليات الأحتلال العدواني القادم، تماماً كما حدث من قبل في أفغانستان المحتلة، العراق وليبيا المحتلين، ويكاد أن ينجح و أو حقق شيء من النجاح الأسود في الحدث السوري.... الخ، مع سعي حثيث الآن ومن الطرف الخارجي ومن ارتبط به من العربان، الى تدويل الحدث المصري مع سعي مماثل لتوريط عمّان واغراقها لما بعد (الصرّه) باتجاه العنق في مستنقعات الحدث السوري، مع نجاحات هنا وهناك لمحور واشنطن – تل أبيب عبر أدواتهم القذرة من بعض العربان في لبنان، لفتح حسابات بنك أهدافهم ان لجهة التكتيكي وان لجهة الأستراتيجي منها.ولا يختلف اثنان عاقلان ونحن نقترب على نهاية السنة الثالثة من بدء المسألة السورية والصراع على سورية وفي سورية، وما نتج عنه من خسائر جمّة لجهة الشق الديمغرافي – الأنسان السوري ومقدرات الدولة السورية المختلفة واضعافها، على أنّ العنف والعنف المضاد في سورية، قد تم الإعداد له مسبقا من قبل أجهزة الأستخبارات الغربية والأمريكية، ومجتمع المخابرات الصهيوني وأدواته في الداخل الغربي والأمريكي، وبعض دواخل بعض الساحات العربية، والتي لديها الأستعداد للقبول بتنفيذ مثل هكذا رؤى سياسية دموية، لعقد نفسية عديدة لموردها البشري المتحكم والحاكم وما يترافق مع مركبات نقص متعددة له.وكلّ ذلك قبل انطلاق فعاليات ومفاعيل ما سمّي بالربيع العربي - جدلاً، والذي قد يكون فاجأ (المطابخ) الضيقة والمحصورة جداً، بأشخاص محددين في تلك الأجهزة والمشكلة بطريقة عنقودية عنكبوتية، في تشكيل الفرق التفكيرية الخاصة بتلك الهياكل الأستخبارية ذات العصف الذهني. هذا وقد ظهر وبان جليّاً زيف "التطلعات الديمقراطية وحقوق الأنسان" في مواجهة الذبح بدم بارد مأفون، واسالة حمّامات من الدم الطائفي الأثني العرقي هناك، والتي كانت نتاجات تفكير تلك "المطابخ" الموجّهه.إن رسالة المسؤولين وواضعي السياسات الأميركيين والغربيين النهائية، للفدرالية الروسية بوجود الرئيس فلادمير بوتين، من أجل البدء في تغيير النظام والنسق السياسي في سورية هي بشكل أساسي: سوف يستمر تصاعد العنف بقوة حتى إنجاز تغيير النظام والنسق السياسي السوري - يمكن لروسيا أن تستسلم الآن، ويكون لها رأي في كيفية حدوث التحول، أو الاستسلام في وقت لاحق وستعاني عندها التهميش كما كان الحال في ليبيا المحتلة وقبلها العراق وأفغانستان.مقابل ذلك كان الجواب الأستراتيجي للفدرالية الروسية، كرسائل رأسية وأفقية عنيفة بالمعنى الدبلوماسي وتؤسس لشيء ما في الكواليس، بأنّ شكل العالم الجديد تحدده التسوية السياسية الشاملة في سورية أيّتها الكلاب الأفرنجية !.ولا يخفي سراً على أحد، أن ما تسمّى "مسؤولية الحماية" الإنسانية وحقوق الأنسان بحدها الأدنى، ليست سوى ذريعة لتغيير النسق السياسي في سورية ومنذ فترة طويلة، تموضعت هذه الصورة عبر مقاربة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لإسقاط الحكومة السورية والنسق الخاص المنتج لها، وحالة تصوراتها وحلفائها الواقعية لتحقيق ذلك هي مسألة أراء مختلفة في جلسات عصف ذهني عميقة.وما لا يعتبر رأياً بل هو حقيقة كالشمس في رابعة نهار العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي ورابعات نهارات عواصم من تحالف معها من الغرب والعربان، أن الولايات المتحدة الأمريكية ومحورها، قد تآمرت علنا من أجل "استنزاف" سورية حتى الموت أو إلى الحد الذي يمنع استمرار دورها ونفوذها الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، أو من أجل التعجيل في نهاية المطاف بسقوط الحكومة أي حكومة، تمهيداً لأسقاط النسق السياسي وليس شخص الرئيس الأسد.الولايات المتحدة الأمريكية تخوض وبقوّة حروب سريّة، لم يقرّها ولن يقرّها الكونغرس الأمريكي، وقطعاً ليس للمورد البشريّ السكّاني لتلك الدول، التي ستسحق حياتهم وأجسادهم أي دور في منعها، فمن أجل تحقيق خدمة الأهداف الأستراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية، بل من أجل هندسة نستولوجيا تلك الأهداف، لتصبح أهداف ما فوق استراتيجية، فانّ وحدات القوّات الخاصة الأمريكية، تقوم بتنفيذ (لب) وجوهر العقيدة الأمريكية ومعتقدها الراسخ والذي لا يخضع لأي ديناميات مراجعات، والقائم على أحقية القيام بالأغتيالات السياسية، التسلل عبر الحدود السيادية للدول، وزعزعة استقرار وأو تقويض أنظمة الحكم، دون اعارة أي اعتبار لجهوزية مؤسسات الدولة ونسقها السياسي المراد استهدافها وذات السيادة، للتغير أو رغبتها فيه أصلاً.هذا وقد اختارت العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي متمنهجةً عليه، أسلوب قديم بذات الأدوات لبعض أنواع من الحروب، ولكن آثاره وتداعياته وشدّته في الألفية الثالثة للميلاد كبير جداً، ويقلب الأمور رأساً على عقب، ويغير أمزجة الرأي العام الدولي والأقليمي والمحلي بخبر وصورة وخلال لحظات، وعبر عمليات البروبوغندا السوداء وكواليسها.ومثل الذي يقطع أنفه نكايةً بوجه، صارت واشنطن تستخدم أدواتها الحربية الشاملة من المورد البشري السكّاني للدولة المراد استهداف نسقها السياسي، ومن موارد بشرية من دول جواره المحلي والأقليمي، حيث جميعها تشترك باللغة والدين والأخلاق والقيم والأهداف، وبالعادات والتقاليد والمشاعر وبعلاقات نسب وقربى، ويؤدي جلّ العمل ذاك الى تدمير الدولة ونسقها السياسي بأبنائها وأبناء دول جوارها، والحال هذا خير مثال عليه ما يجري بالحدث السوري ومستنقعاته وتشعباته المختلفة، عبر احداث انحراف بجهاز مناعة الدولة المستهدفة ونسقها، لكي يقوم جهاز المناعة الخاص بالدولة بمهاجمة الأنسجة السليمة، بعبارة أخرى كيف يتم جعل الدولة تدمر نفسها بنفسها وعبر مساندة من محيطها؟! وهذا ما يجري في الحدث الأحتجاجي السوري وعبر وكلاء السي أي ايه من بعض العرب، ومن الغرب ومن بعض الداخل والخارج السوري .انّه أسلوب حرب العصابات، استخدام القتلة، المتمردين، المخربين، حرب بالكمائن بدلاً من المواجهة، عبر التسلل بدلاً من الهجوم، انّه نصر عبر تقويض العدو وانهاكه بدلاً من الأشتباك معه، حرب تترصد الأضطرابات واحداث فوضى خلاّقة وغير خلاّقة.ويؤكد جلّ الخبراء النفسيين الأعلاميين الأستخباريين، والذين يعملون في أجهزة الأستخبار العسكرية والمدنية – المخابراتية – الشرطيّة، أنّ اللجوء الى آكاذيب التعذيب والأغتصاب كبنى تحتية لأي عملية بروبوغندا، وعبر وكلاء حربيين لتخدم هدف محدد، وهو خلق بيئة تساعد على خلق ظروف تقود في النهاية الى الحرب.نعم عندما تحدد الأمبريالية الأمريكية الأهداف المستهدفة، تصبح مفاهيم الأغتصاب والتعذيب وقتل الأطفال عبر راتكاب مجازر، وفقاً لجداول زمنية وديمغرافية وفي الوقت المناسب، تصبح مفاهيم لمكنونات أدوات التشويه السياسي للنسق السياسي المستهدف، ليصار الى اضفاء ملاذات شرعية آمنة لأي عدوان يقرر من قبل ما يسمّى "بالمجتمع الدولي" ( أمريكا وكلابها الأفرنجية المنبوذة في أوروبا وفي منطقتنا).رأينا كيف تمّ تشريع احتلال أفغانستان وتحت مسمّى الحرب على الأرهاب الدولي، ثم تشريع احتلال العراق وتحت مسمى أسلحة دمار شامل لم تظهر حتّى اللحظة، ثم احتلال ليبيا واسقاط نظام الزعيم البدوي العربي معمّر القذّافي، والان جل الجهود تصب في تشريع وتوظيف كل شيء لأستهداف سوريا ونسقها السياسي، واستهداف النهج الأموي في عبادة الخالق، بل استهداف الأسلام الشامي مقابل التمسك بالأسلام الوهابي.انّ ما يجري في سورية حرب غير تقليدية، والجانب الأقبح لتلك الحرب, بالإضافة إلى كونها خرقاً واضحاً للقوانين الدولية، التي تفرض احترام سيادة الدول و وحدة أراضيها و الحياة الإنسانية و الملكية الشخصية...إلخ, هو الجهد الحثيث والمستشرس للتأثير نفسياً على الشعب وقبله على حكومته، وإنّ هذا الجانب بالتحديد من الحرب الغير تقليدية ينافي منظومة القيم لأي أميركي عاقل.من بين حالات الفوضى الأقليمية والمحلية, قدمت الانتفاضات العربية في العام2011 فرصة للمضي قدماً في نشاطات الحرب غير التقليدية في الدول المعادية، سواء أكانت شعوب تلك الدول راغبة في تغيير النظام أم لا، والأمثلة الأوضح نلحظها في إيران وليبيا وسوريا, وجميعها كانت ما قبل ما يسمّى بالربيع العربي، أهدافاً للحرب غير التقليدية بدرجات متفاوتة، والنتائج كانت متفاوتة أيضاً.في حزيران من عام 2012 م, أعلن السلاح التكنولوجي لوزارة الدفاع, المسمى اختصاراً داربا, عن برنامج تبلغ ميزانيته 42 مليون دولار يمكن الجيش الأميركي من " رصد وتصنيف وقياس ومتابعة تشكل وتطور انتشار الأفكار والمفاهيم" في الشبكة الافتراضية. وقد أسمت مجلة وايرد هذا البرنامج بآلة البنتاغون للبروباغندا عبر المواقع الإجتماعية, وذلك بسبب خططه القائمة على " نشر رسائل مضادة لتأثيرعمليات الخصم المرصودة." مما يسمح " باستخدام أذكى للمعلومات لدعم العمليات العسكرية" وتجنب النتائج غير المرغوب بها. سيسمح المشروع بأتمتة العمليات بحيث يتم "تحديد المشاركين والمستهدفين, وقياس آثار حملة الإقناع", وليتم بالمحصلة, تحقيق التسلل وإعادة توجيه الحملات المرتكزة على مواقع التواصل الاجتماعي وفقاً لما تقتضيه الحاجة.
يبدو أن حملة الحرب غير التقليدية على إيران قد اقتصرت على التخريب التكنولوجي, وعلى الاغتيالات والتسلل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أما في ليبيا فإن الحملة ذهبت في اتجاه أكثر حدية. يختلف السيناريو الليبي طبعاً بأنه تم بغطاء من الناتو وتشريع عربي وقت كان عمرو موسى أمينا لجامعة العهر السياسي العربي, بينما تولى العسكريون الأميريكون القيادة من خلف الستار، يضاف إلى ذلك أن النجاح واسع النطاق لعمليات الحرب غير التقليدية لا يرجع إلى القتال وجها لوجه في ليبيا في حينه, بقدر ما يرجع إلى اللجوء إلى الغطاء الجوي وإلى تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الهجمات التي يقوم بهت ثوار ليبيون غالباً.أماعمليات الحرب غير التقليدية في سوريا فهي مزيج من النوعين. ذلك أن قوة وشعبية الرئيس الأسد, التي تحدثت عنها السفارة الأميركية في برقية نشرتها ويكيليكس, اقتضت بدء نشاطات لتقويض هذه الشعبية قبل التدرج إلى سيناريو على الطريقة الليبية.ولذلك، تعمّقت وكالات الأستخبار الأمريكي المختلفة، في دراسة وضرورة اقتناص "الفرص" لكشف "نقاط ضعف" النظام السوري ودفعه باتجاه صعوبات اقتصادية, وانقسام عرقي وطائفي, وخلاف بين أجهزة الأمن و الجيش. وبحثت عمليات الدراسة والبحث أيضاً، بضرورة قيام القوات الخاصة على "استثمار نقاط الضعف السياسية والاقتصادية والعسكرية والنفسية للخصم."ينعكس المشهد الديمغرافي السوري: "في معظم السيناريوهات, تواجه حركات المقاومة شعباً فيه أقلية نشطة موالية للحكومة, تقابلها أقلية موازية تساند حركة المقاومة. ولكي تنجح المقاومة عليها أن تحمل الواقفين في الوسط من غير الملتزمين, على القبول بها ككيان شرعي. أحياناً,لا يحتاج التمرد المدعوم جيداً إلى أكثر من أغلبية سلبية ليستولي على السلطة."وتم "استخدام البروباغندا والجهود السياسية والنفسية, لخلق جو أوسع من عدم الرضى يضعف الثقة بالحكومة." و يجب أن يترافق تصعيد النزاع مع "تكثيف للبروباغندا بهدف تحضير الشعب نفسياً للعصيان."البداية تكون بوجود "اهتياج" على نطاق محلي أو وطني, يرافقه تنظيم لحملات مقاطعة أو إضرابات أو أي نوع من النشاطات المعبرة عن عدم الرضى. و من ثم يبدأ " تسلل المنظمين و الناصحين الأجانب, والبروباغندا الأجنبية, والمال, والأسلحة والمعدات."و في المستوى الثاني من العمليات, يتم تأسيس " منظمات مواجهة وطنية" كالمجلس الوطني السوري – في وقته كان طرح أنثى عمره شهرين، الى الأئتلاف الوطني السوري المعارض والأخير بمثابة جثّة متفسخة، و" حركات تحرر"( كالجيش الحر – منظمة غير مشروعة وفقاً للقانون الدولي), من شأنها أن تستجر أقساماً أكبر من الشعب إلى قبول "ازدياد التخريب و العنف السياسي", وأن تشجع على تدريب " أفراد و مجموعات على القيام بأعمال تخريب في المدن."أما عن كيفية وماهية استجابة الأغلبية غير الملتزمة, والسلمية ظاهريا,ً لعنف الجماعات المعارضة؟ فيقدم دليل الحرب التقليدية وسيلة سهلة لتلفيقها : "إذا ردت الحكومة المستهدفة, فستستغل المقاومة النتائج السلبية للرد الحكومي من أجل استحواذ تعاطف و دعم شعبي أكبر, و ذلك من خلال التركيز على التضحيات و الصعوبات التي تتحملها المقاومة في سبيل الشعب. و إن لم ترد الحكومة أو كان ردها غير فعال, فبإمكان المقاومة البرهنة بذلك على فاعلية قتالها للعدو. بالإضافة إلى ذلك, يمكن للمقاومة إظهار تباطؤ العدو أو عدم قدرته على الرد على أنهما ضعف, مما سيقود إلى إضعاف معنويات قوات العدو و يوحي بقرب الهزيمة."واليوم, مع وصول أوباما, تحولت سياسات بوش و أعيد توضيبها تحت مسمى "هيئة منع ارتكاب الفظائع" أو تحت مسمى " التدخل الإنساني", إلا أن الأهداف لم تتغير: زعزعة استقرار حياة الناس و الدول لخدمة المصالح الأميركية في السيطرة الاقتصادية و السياسية.إن الحكومات العربية محقة حين تتحدث عن "مؤامرة أجنبية". إذ لم يعد هناك مجال واحد في الدول العربية الهامة لم تصل إليه "المصالح الأميركية": بدءا من المجتمع المدني "المسالم" المليء بالمنظمات غير الحكومية الممولة أميركيا, مروراً بأجهزة الاستخبارات والجيش التابعة لتلك الدول, ووصولاً إلى صفحات الفيسبوك للمواطنين العاديين.وفي خضم هذه الانتفاضات المشتعلة في المنطقة, يتحول كل شعب عربي لا يغلق بابه أمام مخاطر التدخل الأجنبي إلى جندي يقاتل إلى جانب أعدائه في حرب غير تقليدية تشن عليه.