خلال الأسبوع الثاني من شهر آب الجاري، وقّع وزراء الطاقة في "إسرائيل" واليونان وقبرص، مذكرة تفاهم بشأن تنفيذ مشاريع مشتركة في مجال الطاقة والمياه، واتفق الوزراء خلال اجتماعهم الخميس 8 آب على إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز بين الدول الثلاث، ومرفأ لتخزين الغاز المسال في قبرص لتصديره إلى أوروبا، وتفيد تصاريح هؤلاء أن هناك موافقة مبدئية من المفوضية الأوروبية، وأن هذا الخط الذي سيمدّ أوروبا بالغاز، قادر على تأمين الاحتياجات الأوروبية لمدة سبع سنوات.
وكانت تقارير أوروبية وأميركية عدّة قد تحدثت - في وقت سابق - عن مشروع لضخ الغاز "الإسرائيلي" إلى أوروبا عبر تركيا، ولكنه سقط بعد التطورات التي حصلت في سورية، وكان المشروع الذي يتمّ الحديث عنه والذي كان معداً لمشروع وصل أنابيب الغاز من "إسرائيل" إلى أوروبا عبر تركيا، فكان يرتبط بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد وهو ما كان من المفترض أن يؤدي إلى عزل إيران وإسقاط المقاومة في لبنان، وبالتالي وصول المعارضة السورية المدعومة من الغرب إلى سدة الحكم في سورية، مما يقوي حلفاء أميركا في لبنان والمنطقة ويضعف القوى المناهضة لها، وبهذا السيناريو، تقوم "إسرائيل" بمد أنانيب الغاز برياً، عبر سورية فتركيا ومنها إلى أوروبا، وبما أن سقوط بشار الأسد بات أمراً صعب المنال باعتراف الغربيين أنفسهم، وقد لا يتحقق مطلقاً، فعلى ما يبدو، ومن خلال توقيع اتفاقيات التفاهم، أنه تمّ الاستعاضة عنه بمشروع بحري يمد أنابيب الغاز "الإسرائيلي" إلى قبرص فاليونان ثم إلى أوروبا التي تعتمد في الوقت الحالي على الغاز الروسي.
وهكذا ظهرت بسرعة إلى السطح الخديعة التي حاول رئيس المخابرات السعودية بندر بن سلطان أن يقوم بها مع الجانب الروسي، من خلال العرض الذي قدّمه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي يندرج في شقه النفطي، عرضاً بضمان ألا يهدد الغاز المستخرج من الخليج وضع روسيا كمورد رئيسي للغاز للدول الأوروبية، مقابل أن يتخلى الروس عن دعمهم القوي لنظام الأسد، ويوافقوا على عدم عرقلة أي قرار يصدره مجلس الأمن الدولي بخصوص سورية في المستقبل.
وعلى الرغم من الإغراءات المادية التي قدمها بندر للرئيس الروسي، إلا أن العرض السعودي لا يعدو كونه خديعة كبرى، والروس ليسوا أغبياء للقبول بصفقة كهذه، فحتى لو ضمن السعودي أن لا يهدد نفط الخليج المصالح الروسية في أوروبا، فهل ستلتزم جميع الدول الخليجية - ومنها قطر- بهذا العرض؟ وهل يمكن للأمير بندر بن سلطان أن "يمون" على "إسرائيل" ألا تفعل هي أيضاً كذلك، خصوصاً أن مدّ أنبوب برّي عبر سورية يجعل كلفة النفط أقل بكثير من كلفة إمداده بحرياً، كما أن وصول حكم حليف لأميركا في سورية، سيدفع إلى إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط بكاملها بما يخدم المصالح "الإسرائيلية" والأميركية، ويهدد المصالح الروسية الاستراتيجية، سواء من ناحية بيع منتجات الغاز الروسي، أو من ناحية عقود إعادة الإعمار، أو التهديد المباشر الذي ستخلقه القوى الإسلامية المتطرفة على الجمهوريات الروسية، أو لناحية إعادة روسيا قطباً وازناً وفاعلاً على الساحة الدولية يحسب له حساب.
وإن كان الأمير بندر قد نسق الموقف مع الأميركيين، وهو أمر مرجّح بشدة، ففشل الوساطة - أو الصفقة - السعودية قد تكون من جملة الملفات التي جعلت الرئيس أوباما يعدل عن زيارته لموسكو، وتختلف موسكو وواشنطن حول جملة من الملفات الكبرى التي تجعل قضية سنودن تأتي في مرتبةٍ دنيا من الأهمية، منها مسألة الدرع الصاروخي، والمصالح الروسية في الشرق الأوسط، والحلف الصيني الروسي الذي ينافس النفوذ الأميركي في الشرق الأقصى، والأهم اليوم هو الصراع الدائر في سورية، والذي تسبب فيه روسيا للأميركيين فشلاً تلو الآخر، ما قد يتسبب بإخراجهم من المنطقة محرجين ومهزومين، وهو ما لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتحمله لما له تداعيات على صورتها الدولية وهيبتها وقدرتها على فرض نفوذها على حلفائها التقليديين.
واقعياً، لقد أصاب الروس في "الرهان" على دعم بشار الأسد مقابل الغرب الذي حاول إسقاطه بالقوة، وقد تبين من خلال التطورات التي حصلت منذ بدء الأزمة السورية ولغاية اليوم، أن ذلك الرهان كان على "الحصان الأقوى"، وبالتالي لا يحتاج قبض ثمن هذا الرهان وجني ثماره إلا بعض الصبر والثبات على الموقف، وبعده يمكن للروسي أن يقف على ضفة النهر منتظراً جثث أعدائه لتأتي إليه.
د. ليلى نقولا الرحباني - الثبات
38/5/13814
https://telegram.me/buratha