علامات كثيرة تحتاج لقراءة معمقة للوقوف على شكل التصعيد القادم في المنطقة. اولى النقاط ترتبط حصرياً بزيارة الامير بندر بن سلطان الغامضة الى موسكو و التي أثارت موجة من التحليلات الساعية لفهم طبيعة هذه الزيارة و تداعياتها القادمة على الارض في سوريا و لبنان و العراق. اما الحديث عن محاولات "شراء" الموقف الروسي المتعنت من الأزمة السورية من قبل السعوديين فيمثل رؤية مبسطة لحقيقة الواقع الذي تمر به المنطقة و يغفل التركيبة المعقدة للعلاقة الروسية السعودية و بالأخص علاقة الروس و تجربتهم مع الامير بندر بن سلطان منذ حرب أفغانستان الى الازمة الحالية في سوريا. و قد يكون وصول الأخ غير الشقيق للامير بندر الامير سلمان بن سلطان -المضطلع بتفاصيل تسليح المقاتلين في سوريا- الى منصب نائب وزير الدفاع اشارة اخرى ذات بعدين, الأول مرتبط في الصراع في سوريا و الحديث عن ترتيبات شكل الامير سلطان جزءً أساسياً فيها, تحت مسمى خلية ادراة الأزمة الاقليمية و التي تشكلت من ثلاث دول كبرى (اميركا, بريطانيا و فرنسا) بالإضافة الى ثلاث دول عربية أخرى. اما البعد الاخر فيمكن ربطه بشكل تطور الاوضاع في الداخل السعودي و نمو التيارات الساعية للتوريث في داخل العائلة نفسها.
النقطة الأخرى التي لا يمكن اسقاطها من قراءة المشهد الاقليمي تمثلت بإلغاء الرئيس الامريكي باراك أوباما لزيارته المفترضة الى روسيا و التي كان من المتوقع ان تكون بمثابة اعلان حقيقي لانطلاق قطار التسويات في عدة جبهات أهمها سوريا.
بغض النظر عن قضية عميل المخابرات الامريكية سنودن –غير المقنعة- و الذي اتخذت الولايات المتحدة من لجوءه الى روسيا حجةً لتأجيل اللقاء, تبقى حقيقة الموقف الأمريكي مرتبطة فعلياً بالتطورات على الأرض في سوريا و التي يبدو ان مسارها خالف التوقعات الأمريكية. لهذا فان تأجيل اللقاء الامريكي الروسي يعني منطقياً تأزيم الوضع في سوريا و دخول المنطقة في نفق العمليات غير التقليدية, حيث تسعى الولايات المتحدة الى تحقيق اهدافها بإحداث تغيير موازين القوى على الارض عبر تنفيذ عمليات نوعية تتجاوز بها فشل احداث هذا التغيير على مدار السنتين الماضيتين. و لعل الحدث المفاجئ المتمثل بهروب سجناء القاعدة من العراق قد يرتبط أيضاً بشكل من أشكال السيناريوهات القادمة, تقتيل طائفي (الساحل السوري مثالاً), تأزيم منطقة الجزيرة السورية و اشاعة الفوضى فيها, و احداث صدام في الشمال السوري مع الاكراد. هذا ما قد يفسر الظهور المتعاظم لتنظيم دولة العراق و بلاد الشام و طبيعة دوره الصدامي و الدموي مع جميع القوى في الداخل السوري.
امتداد حالة التأزيم في المنطقة قد تشمل أيضاً حزب الله في لبنان و الذي قد يكون أمام مواجهة صعبة في الاسابيع القادمة. مع القضاء على ظاهرة أحمد الاسير ضعفت احتمالية التفجير الداخلي في لبنان. الأمر الذي قد يدفع باتجاه احاطة الحزب بحالة من التأزيم السياسي ضمن المعادلة الداخلية اللبنانية المدعومة عربيا و اقليمياً, خصوصاً بعد تهيئة المناخات الدولية لوضع الحزب في خانة ضيقة جداً, بدأت من الحديث عن دور حزب الله في القصير و انتهت بوضع الاتحاد الاوروبي للجناح العسكري للحزب على لائحة الارهاب. هذا التأزيم الدولي قد يتعاظم لاحقاً ليصل الى فكرة منطقية المواجهة, حيث سيجد حزب الله نفسه أيضاً في مواجهة حقيقية مع السيناريو الامريكي الساعي لفرض التطبيع الاجباري مع اسرائيل على المنطقة برمتها. اذاً , مسار ادارة مشهد التسوية الاقليمية و التأزيم داخل سوريا سيحدد مسار العلاقة ايضا مع حزب الله, فالضغوط الحالية على الحزب قد لا تنتج حرباً اليوم, لكن بلا شك, فان الضوء الاخضر الامريكي لمثل هذه المواجهة قد يصدر في حالة ظهر الحزب كحجر عثرة حقيقي امام الرؤية الامريكية التي سترفض اي تيار خارج معادلة التطبيع.
أخطر ما يمثله الوضع الاقليمي اليوم, هو صعوبة الحفاظ على الأزمة السورية داخل حدودها الجغرافية, فالمنطقة برمتها أصبحت مفتوحة على الأزمة و انتقال شكل الأزمة الأمني و السياسي قد يصبح حتمياً. لهذا فمن المتوقع ان تشهد اماكن متعددة في المنقطة حالات من التأزيم الأمني و الاستهدافات العلنية.
14/5/13811
https://telegram.me/buratha