عبدالاله مجيد
يتحدث البروفيسور ستيفن غيراس، الأستاذ في الكلية الحربية الأميركية، عن تلميذه عبد الفتاح السيسي، فيصفه بالتلميذ المجتهد، والاسلامي من دون تعصب، والمنظّر العارف بخفايا الشرق الأوسط.
ذات يوم في العام 2006، دعا البروفيسور ستيفن غيراس ضباطًا أجانب يدرسون في الكلية الحربية للجيش الاميركي إلى منزله لمشاهدة المباراة النهائية لدوري كرة القدم الاميركية أو ما يُسمى سوبر بول. وكان غيراس يراقب خلسة مدعوًا لم يكن يتابع المباراة باهتمام يُذكر. كان ذلك الضابط الفريق عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش المصري ووزير الدفاع، الذي يعتبر اليوم بنظر بعض المراقبين أقوى رجل في مصر. وقال البروفيسور غيراس إن والدته البالغة من العمر 80 عامًا حضرت للمساعدة في تقديم الطعام لضيوفه، لكن السيسي خطفها وطاف بها في جولة على كل المصنوعات والأعمال الفنية المكتوبة بالعربية في المنزل، شارحًا لها أهميتها الدينية والتراثية. وأكد غيراس أنه لم يعرف أحدًا من الضباط المسلمين الذين درسوا على يده قد شعر بالحاجة إلى تقديم مثل هذا الشرح.
السيسي المجتهد
يستخدم بعض الضباط الدورات التي يحضرونها في الكلية الحربية الاميركية للراحة من الواجبات العسكرية في ثكنات معزولة، ومن اوامر القادة الأعلى رتبة. لكن غيراس الذي كان استاذ السيسي في ثلاث دورات حضرها في الكلية الحربية الاميركية أكد أن تلميذه السابق لم يأتِ للراحة.
ونقلت مجلة فورين بوليسي عن غيراس قوله إن السيسي كان ذكيًا ولغته الانكليزية جيدة جدًا، وكان جديًا للغاية، وكان أكثر الضباط جدية في صفه.
وكان السيسي درس في الكلية الحربية للجيش الاميركي من العام 2005 إلى العام 2007، وهو أول قائد للجيش المصري تدرب في الولايات المتحدة وليس في روسيا. وخلال السنة الأولى من دراسته، تلقى دروسًا في التفكير الاستراتيجي ونظرية الحرب والاستراتيجية وصوغ السياسة الوطنية والعلاقات بين المدنيين والعسكريين.
السيسي المنتقد
ليس هناك ما يشير إلى أن دراسة السيسي في الولايات المتحدة أوقعته تحت نفوذ واشنطن، بل العكس قد يكون صحيحًا. فالسيسي وجه انتقادات إلى الولايات المتحدة لم يوجهها قائدٌ للجيش المصري منذ عقود. وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة واشنطن بوست أخيرًا، حمل على ادارة اوباما بشدة لإمتناعها عن دعم عزل مرسي في 3 تموز (يوليو)، متهمًا واشنطن بالتنكر للشعب المصري. وقال السيسي في المقابلة: "تركتم المصريين وأدرتم لهم ظهركم، وهم لن ينسوا ذلك". لكنّ مسؤولين اميركيين اكدوا أن قنوات الاتصال مع السيسي ما زالت مفتوحة. وبحسب مصدر اميركي مطلع على الحوار بين ادارة اوباما والسيسي، فإن الرسالة التي يعيد المسؤولون الاميركيون تأكيدها هي الحرص على إقامة علاقة متينة مع مصر، وعلى وجود مصر قوية. لكن المصدر اضاف أن الولايات المتحدة تدرك كيف يمكن للوضع على الأرض أن يضر بهذه العلاقة. ونقلت مجلة فورين بولسي عن المصدر قوله: "إذا خرجت الأمور عن السيطرة في القاهرة، سيكون ذلك امرًا بالغ الصعوبة علينا".
السيسي الاسلامي
لاحظ أكاديميون عرفوا السيسي خلال دراسته في الكلية الحربية للجيش الاميركي تأثر آرائه السياسية بأفكار اسلامية، على حد تعبيرهم. وكتب البروفيسور روبرت سبرنغبورغ مقالة لمجلة فورين بوليسي قال فيها إن بحثًا أعده السيسي في اطار دراسته بدا وكأنه نص كتبته جماعة الاخوان المسلمين، "مشدداً على دور الدين المركزي في سياسة الشرق الأوسط، وداعيًا إلى إعادة الخلافة". لكن صحيفة نيويورك تايمز، التي حصلت هي ايضًا على بحث السيسي، رفضت هذا التقييم وقالت إن النص أقرب إلى العمل البحثي منه إلى الجمود العقائدي، رغم انتقاده محاولات الولايات المتحدة فرض الديمقراطية فرضًا على دول المنطقة.
ويتذكر البروفيسور غيراس تلميذه السيسي مسلمًا مؤمنًا، واسع الاطلاع على دينه، وملمًا بكل رموزه وشعائره. وتزين بيت غيراس مصنوعات من زمن الامبراطورية العثمانية جمعها اثناء اقامته في تركيا. وهو يتذكر أن السيسي اوقفه ذات مرة حين رأى في منزله لوحة محفورة من النحاس معلقة على احد جدران المنزل، وقال له: "ستيف، انتَ بالطبع تعرف ما هذه، إنها باب الكعبة في مكة". ولاحظ البروفيسور ستيفن غيراس أن السيسي تعرف على الباب فورًا، "كمن يمر بلوحة العشاء الأخير لدافنشي"، بحسب تعبيره.
السيسي المنظّر
يؤكد مراقبون أن السيسي مسلم مؤمن ولكنه ليس سياسيًا اسلاميًا، وليس في حديثه لصحيفة واشنطن بوست ما يشير إلى تعاطفه مع الاسلام السياسي، بل انتقد جماعة الاخوان المسلمين قائلًا إن ثقافة الجماعة هي العمل السري تحت الأرض، وإن مرسي اختصم مع كل مؤسسات الدولة تقريبًا، ومهد الطريق أمام الجهاديين لنقل معركتهم من افغانستان إلى شبه جزيرة سيناء. وقال غيراس إن تلميذه اشاد بدور الجيش المصري في سحق موجة الارهاب الاسلامي التي اجتاحت مصر إبان التسعينات. لكن السياسة الداخلية المصرية لم تكن هي التي تستأثر بالنقاشات خلال دراسة السيسي في الكلية الحربية للجيش الاميركي عامي 2006 و2007 بل حرب الولايات المتحدة في العراق. ويتذكر البروفيسور غيراس اجراء احاديث طويلة مع السيسي عمّا يتعين على الجيش الاميركي أن يفعله بشكل مغاير في العراق، وكيف يجب أن يفهم الثقافات الأخرى على نحو افضل. وكان السيسي يقول، بحسب البروفيسور غيراس: "إن الديمقراطية هي نظام الحكم المناسب للشرق الأوسط، لكن شكلها لن يمت بصلة إلى الشكل الذي تفكرون فيه، ولا أعتقد أنكم تفهمون ذلك".
21/5/13807
https://telegram.me/buratha