يعاني الجيش التركي هذه الأيام من استقالات بالجملة، احتجاجا إما على الأوضاع المعيشية للضباط، أو سجن المئات من الجنرالات في قضايا التخطيط لانقلاب عسكري دون حجة أو دليل مقنع لكثير من العسكريين، أو احتجاجا على سياسات حكومة الإسلامي رجب طيب أردوغان في الشرق الأوسط.
والمعروف، عدديا وتنظيميا، أن الجيش التركي هو ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بعد جيش الولايات المتحدة.
ولن تكون مهمة قائد الجيش التركي الجنرال نجدت أوزال سهلة خلال هذين اليومين، الذين ينعقد فيهما اجتماع الشورى العسكري السنوي الدوري، إذ عليه إعادة ترتيب البيت الداخلي للجيش، وسد الفراغات الكثيرة التي تخلفها تلك الاستقالات، لدرجة أنه قد يضطر إلى تمديد فترة خدمة قائد سلاح البحرية مراد بيلغال عاما أو أكثر.
ويأتي هذا التمديد لبيلغال لعدم وجود من يخلفه في التراتبية العسكرية، بعد استقالة المرشح الوحيد لهذا المنصب الجنرال نصرت غولار، احتجاجا على اعتقال 160 من رفاق دربه في البحرية بتهمة التجسس والتخطيط لانقلاب، حيث اعتبر أن قبوله ترقية لقيادة سلاح البحرية في هذه الظروف سيعني أنه فقد شرفه العسكري الذي يقتضي منه الدفاع عن رفاق دربه.
وتشير الإحصاءات إلى أن ربع جنرالات الجيش التركي إما تم حبسهم على ذمة قضايا مماثلة، أو تم طردهم من الخدمة بحجج مختلفة. لكن هذه الكم مرشح للارتفاع، إذ استقال ثلاث جنرالات من سلاح الطيران قبل يومين فقط، خلال اجتماع مجلس الشورى العسكري، لاستشعارهم أن دورهم قد جاء ضمن مسيرة الإحالة على التقاعد.
لكن المفاجأة جاءت في رد وزير الدفاع عصمت يلماز على استجواب تقدم به حزب الشعب الجمهوري في البرلمان، مؤكدا استقالة نحو 110 طيارين من سلاح الجو خلال العام الحالي، وكانت الحكومة قد نفت هذا الخبر بداية العام، وقالت إن بعض الطيارين احتجوا على ظروفهم المعيشية وتدني رواتبهم، وأن الحكومة معنية حاليا بتحسين أوضاعهم.
لكن يبدو أن محاولات الحكومة باءت بالفشل، ما دفع هؤلاء إلى الاستقالة، علما أن وزير الدفاع في جوابه على المعارضة، اعترف بأن تدريب طيار وتعليمه على قيادة طائرات حرية من طراز أف-16 يكلف الدولة أكثر من 4 ملايين ليرة (نحو 2 مليون دولار أميركي)، وهو اعتراف يشير إلى أن تركيا خسرت نحو نصف مليار ليرة بسبب تلك الاستقالات.
ويبدو وضع الجيش التركي اليوم صعبا بعد تسريب عدة تقارير عن تقاعس كثير من الجنود والضباط في تنفيذ أوامر قياداتهم، أو التأخر في تنفيذها بعد اقتياد المئات منهم للمحاكمة، فالتردد بات يغشى الكثيرين في المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى الغضب من سياسات الحكومة الحالية التي أرسلت الكثير من القيادات الذين كان ينظر إليهم كأبطال داخل الجيش، إلى السجن.
ومن أبرز من أودعوا السجن في هذا الصدد القائدان في القوات الخاصة، أنغين ألان أشرف، الذي نفذ عملية إلقاء القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان عام 1999، وعلي تركشان الذي قاد عملية استعادة جزيرة صغيرة من اليونان في أزمة عام 1995 في بحر إيجه.
ويعتقد كثير من الجنود والضباط أن سياسات تركيا في الشرق الأوسط قد تورط الجيش في عمليات قتالية ليس له باع فيها، مثل الهجمات التي باتت تتكرر من قبل جبهة النصرة في سوريا على مخافر الجيش على طول الحدود السورية التركية، في وقت كثرت فيه استجوابات المعارضة التركية لوزير الدفاع، متهمة إياه بإجبار الجيش على دعم بعض "الجهاديين والمتشددين" من المقاتلين في سوريا، بينما تحول أصوات نواب الحزب الحاكم دون إتمام هذه الاستجوابات في البرلمان.
18/5/137801
https://telegram.me/buratha