بضعُ جُملٍ أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في أولى أيّام العُدوان الإسرائيلي على لُبنان عام ألفين وستّة كانت كفيلةً بهزِّ الكيانِ الصُهيوني وزلزلة الأرض من تحتِه. "الآن في عرض البحر البارجة الحربية العسكرية الإسرائيلية التي إعتَدَت على بُنيتنا التّحتيّة وعلى المدنيين. أُنظُروا إليْها تَحْتَرِق وسَتَغرَق ومعَها عشراتُ الجنودِ الإسرائيليين. هذه البداية.
نعم،هُناكَ كانت البداية، المشهد اللحظة لاحتراق البارجة حانيت مفخرة الصِّناعة الإسرائيلية أسَّسَ لولوج أسطورة الجيش الذي لا يُقْهَر سنين الاحتضار .
انتصار الوعد الصادق لم يكُن انتصاراً في ثلاثة وثلاثين يوماً وحسب،بل كان قاعدة لتوازن رُعبٍ جديد كرسَه حزب الله بعد سنين طويلة من تحضير أرض المعركة ومفاجآتها .
ثلاثة وثلاثون يوماً كانت صواريخ حزب الله تُزغرد في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة،تدكُّ المستوطنات دكّاً محدثة حالةً من الدهشة والهلعِ غير المسبوق في تاريخ الكيان الغاصب.
اليوم،وبَعدَ مُضيّ سبع سنين على ذكرى الإنتصار الإلهي،حملَ شريط السنوات المُتتالية منذ تموز العام ألفين وستة وحتى تموز العام ألفين وثلاثة عشر ثمار النصر المؤزَّر،كلُ عامٍ مرَّ حصد معادلاتِ ردعٍ جديدة أُضيفَت إلى إنجازات المُقاومة لصدّ أي عدوانِ يستعدُ له الصهيوني لَيْلَ نهار.
وعلى رأس هرم النَّصر،كان يُتوِجُ الأمين العام لحزب الله الذكرى بمُفاجآت يُراكِمُ فيها قوة الحزب.
"إنقلاب السحر على الساحر"
وعادت جماهير المقاومة إلى عرين الضاحية لتكون على موعد مع الإحتفاء بالنصر في الرابع عشر من آب 2006.شخُصت الأبصار حين أعلن السيد نصر الله وبالفم الملآن أن حزب الله أقوى مما كان عليه قبل الثاني عشر من تموز لأن الحرب راكمت تجربة جديدة وإرادة وعزماً من نوعٍ آخَر لتصبحَ أقوى من أي وقت مضى منذ ال1982.
المفاجأة الكبرى ستُغيِرُ وجه المنطقة
أما فجرُ الرابع عشر من آب من العام ألفين وسبعة فقد حمل ثماراً جديدة،وعدٌ واضحٌ أطلقه السيد نصر الله تجاه إسرائيل قائلاً "إفهموها حرباً نفسية،حرباً نفسيةً صادقة،إن فكرتُم أيُها الصهاينة أن تشنوا حرباً على لُبنان فأنا لن أعدكُم بمُفاجآت كتلك التي حصلَت،إنما أعدكم بالمفاجأة الكُبرى التي يُمكن أن تُغيِّرَ مصير الحرب ومصير المنطقة إن شاء الله".
حلَّت الذكرى الثانية للإنتصار كاشفةً خطورة العدوان والحجم الهائل من الإمكانيات العسكرية والأمنية للعدو وحجم التواطؤ الدولي والإقليمي مقابل صمود حُفنةٍ من فِتيانٍ آمنوا بربِّهِم وأثبتوا أن لدى لُبنان طاقةً كامنة من التحمُل على صعيد مثلث الإنتصار.
"جيشٌ وشعبٌ ومقاومة"،كانت لُحمة وطنية ومعادلةً شكلت درعاً حامياً للُبنان من المؤامرات الفتنوية التي حيكَت بعناية لتخدُم مصالح العدو الإسرائيلي.
بيروت مقابل تل أبيب
"بيروت_تل أبيب" كانت المعادلة الأكثر تأثيراً ودهشةً في الأوساط العربية والمنطقة،إذ كان من شأنها أن تُهدد في الذكرى الثالثة للإنتصار أصل الوجود الإسرائيلي لأوَّل مرة.
الحصار البحري بالحصار البحري،المطار بالمطار،المبنى بالمباني ..حتى تحرير الجليل
إرتقى الصراع وإرتفع معه سقف التحدي لتميل كفة الميزان لصالح لُبنان في شباط من العام 2010،حين أرسى السيد نصر الله معادلات عدّة:قصف مطار بن غوريون مقابل مطار رفيق الحريري،وفي مقابل المبنى المهدم في لبنان مبانٍ في تل أبيب.
أما تاريخُ 16 شباط من العام 2011 فقد سجَّل مستوى تهديد أعلى بكثير من مبنى ومطار ومنشأة،ليصل إلى تحرير الجليل المُحتل في حال وقوع أي حربٍ مُقبلة مفروضة على لُبنان.
ضربة قاصمة " الوهم النّوعي"
"الحرب كانت كارثة وطنية تلقت فيها إسرائيل ضربة قاصمة" هذا الكلام ليس لأحد مجاهدي المقاومة الإسلامية ولا لأحد السياسيين في لبنان أو المنطقة،إنه كلام مُرٌّ أقرَّ به رئيس الموساد السابق مائير داغان في خطاب وجهه لإيهود أولمرت.
هو الحضيضُ بعينه،هذه هي الصورة الحقيقية التي خلفتها حرب تموز فكان وقعها على الكيان الصهيوني كضربة قاضية لم يشهد لها مثيلاً في تاريخ وجوده.
لم ينتهِ جحيم الصهاينة هنا،فجُعبة المقاومة لم تفرغ بعد،الذكرى السادسة للحرب حملَت في طيات مفاجآتها على لسان الأمين العام لحزب الله بصمات القائد الكبير الشهيد عماد مغنية،بصماتٌ فذةٌ كانت كفيلة بتمريغ عجرفة الصهاينة في الأرض منذ الأيام الأولى فيما يسمى بعملية الوزن النوعي التي سُرعان ما تحولت إلى "وهمٍ نوعي" لا وزن لهُ قصم ظهر الكيان الإسرائيلي مُسجّلاً تفوقاً إستخباراتياً من المستوى العالي جداً للمقاومة.
الحرب خديعة
إنجازان يُسجلان هُنا للمقاومة،أولاً كشفها لحيازة إسرائيل على معلومات حول أماكن منصات الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى،وثانياً رمي الطُعم وإصطياد خيبة الصهاينة بعد تنفيذ قرارهم الوزن النوعي بضرب كل المنصات التي_بجهود المقاومة_كانت خاوية على عروشها.
طائرة "أيّوب" تقضُّ مضاجع الصهاينة
على أجنحة الصبر ولدت طائرة "أيوب"بتركيب لبناني وصناعة إيرانية.اخترقت في تشرين الأول من العام 2012 إجراءات العدو الصهيوني الجوية الحديدية لتُحلّق في سماء فلسطين المحتلة بعمق مئات الكيلومترات وتطير فوق قواعد ومنشآت حساسة ضاربة بعرض الحائط منظومة الحماية الجوية قبل إكتشافها من قبل أجهزة الرادار الإسرائيلية .
هي عمليةٌ نوعيةٌ،أرست معادلةً ردعيةً جوية شكلت سابقة في تاريخ الصراع مع إسرائيل،أجمع الصهاينة والعالم على أهميتها وخطورة دلالاتها.إنجازٌ جديدٌ يُسجلُ لحزب الله في لبنان على مستوى تاريخ المقاومات في المنطقة،حيث إنها المرة الأولى التي يتم فيها امتلاك قدرة جوية من هذا النوع ويتم إرسالها إلى عمق جنوب فلسطين المحتلة لتصل إلى مقربة من مفاعل ديمونا،فتصيب من الصهاينة مقتلاً فاتحة المجال الواسع على تهديداتٍ جوية مستقبلية أكبر للكيان الصهيوني.
شُعاعُ المعركة معنا من كريات شمونة إلى إيلات
ختامُها كان مُجَلجِلاً،حين أطلق السيد نصر الله في ذكرى العاشر من من مُحرَّم العام 2012 أهمّ المعادلات متوعداً إسرائيل بآلاف الصواريخ التي ستنزل على تل أبيب وغير تل أبيب إذا اعتدت على لُبنان قائلاً "أما المعركة معنا شُعاعُها على طول فلسطين المحتلة من الحدود اللُبنانية إلى الحدود الأردنية إلى البحر الأحمر،من كريات شمونة _وهنا فليسمعني الإسرائيلي جيداً_ من كريات شمونة إلى إيلات".
في يومٍ من الأيّام قال رجُلٌ كهلٌ كبيرٌ في السِّنِّ عارفٌ بزمانه ومكانه وعصره "لو حمل كلُ واحدٍ منا دلواً من الماء ورماهُ على فلسطين المُحتلّة لزالت إسرائيلُ من الوجوود".بالفعل،أثبتت ثلةٌ قليلةٌ من المجاهدين المغامرين أن المقاومة قدّمت بديلاً جدياً لتحرير الأرض وللدفاع عن الأوطان بدلاً عن المفاوضات العقيمة المُذلة التي طالما فرضها الإسرائيلي على دول وشعوب المنطقة.بدءاً من أطول وأعنف حربٍ إسرائيلية أحيا فيها حزب الله الأمة،إلى سلسلة المعادلات على مدى السنوات التي فرضت توازن رعب جديد،إنجازات هائلة ما تزال ترتعد لإستذكارها فرائص الإسرائيليين، وفي جُعبة المُقاومة ما هوَ أعظَم.
» ياسمين مصطفى / موقع العهد الإخباري
14/5/13731
https://telegram.me/buratha